قدوةٌ للمسلمين ورحمةٌ للعالمين صلى الله عليه وآله وسلم

عناصر المادة

1- رسول الله رحمةٌ للعالمين2- صورٌ من رحمته بأمّته3- فلنحمل رحمة نبيّنا إلى مجتمعنا؛ حتّى يصلحْ أمرنا

مقدمة:

أيّ ينبوعٍ كان يتدفّق رحمةً من ذاك النّبيّ؟! وأيّ شمائلَ كانت تتفجّر من قلب ذاك النّقيّ التّقيّ؟! لتحفّ الأعداء قبل الأحباب، والمحاربين قبل الأصحاب، والمشركين قبل أهل الإيمان، فلم يكن يخطر ببال أحدٍ من البشر أن تمتدّ رحمة إنسانٍ لتشمل أعداءه! ولكنّ ذلك قد كان لِمنْ أرسله الله تعالى رحمةً للعالمين، فعن سَعِيد بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي المَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟) فَقَالَ: عِنْدِي خَيْرٌ يَا مُحَمَّدُ، إِنْ تَقْتُلْنِي تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ المَالَ فَسَلْ مِنْهُ مَا شِئْتَ، فَتُرِكَ حَتَّى كَانَ الغَدُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: (مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟) قَالَ: مَا قُلْتُ لَكَ: إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، فَتَرَكَهُ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الغَدِ، فَقَالَ: (مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟) فَقَالَ: عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ، فَقَالَ: (أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ) فَانْطَلَقَ إِلَى نَجْلٍ قَرِيبٍ مِنَ المَسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ المَسْجِدَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، يَا مُحَمَّدُ، وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الوُجُوهِ إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ، فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ البِلاَدِ إِلَيَّ، وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ العُمْرَةَ، فَمَاذَا تَرَى؟ فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ: صَبَوْتَ، قَالَ: لاَ، وَلَكِنْ أَسْلَمْتُ مَعَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، وَلاَ وَاللَّهِ، لاَ يَأْتِيكُمْ مِنَ اليَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ، حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. [ 1 ]

يا لهذا الخلق العظيم الّذي يجب أن يقتدي به البشر! أهذا حلمٌ على حماقة قريش؟! أهذا عفو القادر على الانتقام؟! أهذا صبرٌ على أذى الأعداء؟! إنّها رحمة النّبي صلى الله عليه وسلم الّتي كانت أعلى من الخصومة، وأرفع من العداوة.

1- رسول الله رحمةٌ للعالمين

لقد منّ الله على عباده المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم، يعرفون شرفه ونسبه، فكان حريصاً على هدايتهم، شديد الشّفقة والرّحمة بهم، قال عز وجل: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التّوبة:128]، 

ولقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نفسه بأنّه رحمةٌ مهداةٌ من الله للعالمين، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ). [ 2 ]

فكان أولى بالمؤمنين من أنفسهم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَأَنَا أَوْلَى بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا فَلْيَرِثْهُ عَصَبَتُهُ مَنْ كَانُوا، وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا، فَلْيَأْتِنِي فَأَنَا مَوْلاَهُ). [ 3 ]

فهو يعلن أنّ ما تركه المسلم من ميراثٍ فهو لورثته، وأمّا إن كان مَديناً أو له عيالٌ، فالرّسول يتحمّل دَينه وتربية عياله، وفي هذا رحمةٌ لا تماثلها رحمةٌ في العالم، فهو يتحمّل تبعات أمّته، فأيّ النّاس يتحمّل مثل هذا؟!إنّها الرّحمة المتجرّدة عن أي هوىً، ولقد بلغت بأمّته حدًّا لا يتخيّله عقلٌ، حتّى إنّ الأمر وصل إلى خوفه عليهم من كثرة العبادة، فكثيراً ما كان يُعرِض عن عملٍ من الأعمال، محبّبٍ إلى نفسه، لخوفه أن يُفرَض على أمّته فتحصل المشقّة لهم، وكثيراً ما كان يقول: (لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي)، لقد بلغ من شدّة رحمة النّبيّ بأمّته أن آثرها على نفسه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ يَدْعُو بِهَا، وَأُرِيدُ أَنْ أَخْتَبِئَ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي فِي الآخِرَةِ). [ 4 ]

لَكَمْ كان يتذكّر أحوال أمّته فيبكي كثيراً! عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَلَا قَوْلَ اللهِ فِي إِبْرَاهِيم: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} [إبراهيم: 36]، وَقَالَ عِيسَى عليه السلام: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118]، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: (اللهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي)، وَبَكَى، فَقَالَ اللهُ: "يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، وَرَبُّكَ أَعْلَمُ، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ؟" فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ، فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ بِمَا قَالَ، وَهُوَ أَعْلَمُ، فَقَالَ اللهُ: "يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ، وَلَا نَسُوءُكَ". [ 5 ]

2- صورٌ من رحمته صلى الله عليه وآله وسلم بأمّته

لقد جمع الله في رسوله صلى الله عليه وسلم صفات الجمال والكمال البشريّ، وتألّقت روحه الطّاهرة بعظيم الشّمائل والخصال، وكريم الصّفات والأفعال، حتّى أبهرت سيرته القريب والبعيد، وتملّكت هيبته العدوّ والصّديق، وإنّ من أخصّ صفات الكمال الإنسانيّ الّتي تحلّى بها: خلق الرّحمة، وكيف لا وقد بعثه الله رحمةً للعالمين! ولقد تجلّت هذه الرّحمة في كثيرٍ من المظاهر والمواقف في حياته، وحسبنا أن نقف عند بعضها:

أوّلاً: رحمته بالأطفال: لقد كان يعطف على الأطفال الصّغار، ويرقّ لهم، ويرأف لحالهم، بل كان كالوالد لهم يقبّلهم ويضمّهم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ، أَبْصَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ الْحَسَنَ فَقَالَ: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ وَاحِدًا مِنْهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّهُ مَنْ لَا يَرْحَمْ لَا يُرْحَمْ). [ 6 ]

وكان إذا دخل الصّلاة وسمع بكاء الصّبي خفّف صلاته حتّى تنصرف أمّ الصّبي إلى ولدها، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنِّي لَأَقُومُ إِلَى الصَّلاَةِ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ). [ 7 ]

ثانياً: رحمته بالنّساء والبنات: لمّا كانت طبيعة النّساء الضّعف وقلّة التّحمّل كانت العناية والرّحمة من رسول الله بهنّ أكثر، وقد تجلّى ذلك في خلقه وسيرته على أكمل وجهٍ، فحث على رعاية البنات والإحسان إليهن، عن عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: جَاءَتْنِي امْرَأَةٌ مَعَهَا ابْنَتَانِ تَسْأَلُنِي، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ، فَأَعْطَيْتُهَا فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ، فَدَخَلَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَحَدَّثْتُهُ، فَقَالَ: (مَنْ يَلِي مِنْ هَذِهِ البَنَاتِ شَيْئًا، فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ، كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ). [ 8 ]

ثالثاً: رحمته بالخدم: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: "خَدَمْتُ رَسُولَ اللهِ عَشْرَ سِنِينَ، وَاللهِ مَا قَالَ لِي: أُفًّا قَطُّ، وَلَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا؟ وَهَلَّا فَعَلْتَ كَذَا؟". [ 9 ]

رابعاً: رحمته بالحيوان: عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا، فَلَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ). [ 10 ]

3- فلنحمل رحمة نبيّنا إلى مجتمعنا؛ حتّى يصلحْ أمرنا

إنّ الله تعالى أقام صلاح المجتمعات كلّها على أساسٍ واحدٍ لا بدّ منه ألا وهو: التّراحم، ولا فرق في ذلك بين المجتمعات الإنسانيّة والمجتمعات الحيوانيّة على اختلافها، فحيثما وُجد شرط التّراحم صلح المجتمع، وحيثما اختفى التّراحم فسد المجتمع، ونحن اليوم في سنوات الشّدّة والبأس، وعصر تقلّبات القيم والموازين، في زمن قهر الضّعفاء وجبن الأقوياء! ما أحوج النّاس إلى كنفٍ رحيمٍ، ورعايةٍ حانيةٍ، ورحمةٍ لا تضيق بتحقيق الحقوق والمطالب، رحمةٍ لا تنفّر من بثّ الهموم، فالنّاس اليوم بأمسّ الحاجة إلى قلبٍ كبيرٍ يمنحهم ويكرمهم ويواسيهم، فهلّا تعلّمنا الرّحمة من الرّحمة المهداة؛ الّذي قال عنه ربّه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]، 

والّذي حمل دين الرّحمة والسّلام إلى البشريّة كلّها، ودعا فيه إلى التّراحم، وجعله سبباً لرحمة الله لعباده، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا أَهْلَ الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ أَهْلُ السَّمَاءِ، وَالرَّحِمُ شُجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ، مَنْ وَصَلَهَا، وَصَلَتْهُ، وَمَنْ قَطَعَهَا، بَتَّتْهُ). [ 11 ]

رحمةٌ ليست خاصّةً بقريبٍ أو صديقٍ فحسب، ولكنّها رحمةٌ تسع العامّة كلّها، فمن تخلّق بها وُفّق للخير والهدى، وكان من المرحومين، ومن تركها أخذه الله بالبأس والشّدّة، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (اللهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ، فَارْفُقْ بِهِ، وَمَنْ شَقَّ عَلَيْهِمْ، فَشُقَّ عَلَيْهِ). [ 12 ]

إنّ الرّحمة جمالٌ في الخُلق، يرقّ صاحبها لآلام النّاس، ويسعى لإزالتها، ويأسى لأخطائهم وجنوحهم، فيترحّم عليهم ويرجو لهم الهداية والرّحمة، وإنّها لمن أبرز ما يميّز المجتمعات الإسلاميّة، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (تَرَى المُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى). [ 13 ]

ما أحرانا أن نحمل خلق الرّحمة من رسول الله لننشره في مجتمعاتنا علّها أن تصلح من جديد. 

خاتمةٌ:

لقد كانت حياة نبيّ الهدى والنّور تشعّ رحمةً ورأفةً بالبشريّة، بل بالعالم أجمعين، فكانت تلك الرّحمة ماثلةً في كلّ أوقاته، في الضّعف والقوّة، وإبان المنشط والمكره، ولجميع فئات الخلق بلا استثناءٍ، فكان بذلك رحمةً من الرّحيم الرّحمن، يرحم الله بها عباده.

ما أعظم نعمة الله عز وجل علينا إذ جعلنا من أمّة هذا الحبيب، وأرشدنا إلى أن نتخذّه أسوةً في كلّ شيءٍ، فكان جديراً بنا أن نرجع إلى أحاديثه القوليّة والفعليّة الّتي تبيّن لنا صور الرّحمة في حياته، فنتعلّمها ونعيشها واقعاً عمليّاً في شتى مجالات حياتنا، وإنّ ممّا يساعدنا على ذلك -إن رأيناه أمراً شاقّاً- أن نعلم أنّ الجزاء من جنس العمل، وأنّ رحمة العبد لعباد الله من أكبر الأسباب الّتي تُنال بها رحمة الله سبحانه، والّتي من آثارها خيرات الدّنيا والآخرة، وأنّ فقدانها من أكبر القواطع والموانع لرحمة الله جل جلاله، فلتسكن الرّحمة قلوبنا، ولتظهرْ آثارها على جوارحنا وألسنتنا، لنوصل البرّ والخير والمنافع للنّاس، ونزيل الضّرر والمكاره عنهم.

ألا فلنعلمْ أنّ من أهمّ أسباب نيل رحمة الله عز وجل: الإنصات لتلاوة كتاب الله سبحانه، وتدبّر معانيه، واتّباع أوامره ونواهيه، قال عز وجل: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204]، 

وقال: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأنعام: 155].

 

1 - صحيح البخاريّ: 4372

2 - المستدرك على الصحيحين للحاكم: 100

3 - صحيح البخاريّ: 2399

4 - صحيح البخاريّ: 6304

5 - صحيح مسلم: 202

6 - صحيح مسلم: 2318

7 - صحيح البخاري: 868

8 - صحيح البخاري: 5995

9 - صحيح مسلم: 2309

10 - صحيح البخاري: 3318

11 - مسند أحمد: 6494

12 - مسند أحمد: 26199

13 - صحيح البخاري: 6011

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين