تراثنا الأندلسي المغربي

الطبعة الثالثة

بحث نشرته مجلة "المسلمون" القاهرية الدمشقية في عدديها: الأول والثالث لشهــري : رمضان وذي القعدة سنة 1375 . ونشر ضمن كتاب "عاصمة الأدارسة" .

في بلادنا المغربية كنوز دفينة قد تراكم عليها الغبار طبقا على طبق ... كنوز من الفكر قد سطرت في كتب وأوراق كان حظ الأرضة والجرذان منها حظ الأسد ..كنوز قد بعثرت في الخزائن والمكاتب، في المدائن والقرى، عند الخاصة والعامة .. كنوز طالما عشيت في سبيل جمعها الأبصار، وطالما تآكلت في كتابتها الأصابع، وطالما عصرت لها العقول .. كنوز هي نتائج عبقريات قد صقلتها التجارب والمحن وكر السنين، وجمعت من كل لون أبهجه وأعمره وأعوده على بلادنا في المشرق والمغرب والإنسانية جميعا بكل خير وجميل .. كنوز فيها من كل العلوم الفكرية والقلبية ما لو نشر لأقام ثورة اجتماعية في مشارق الأرض ومغاربها. 

أين أنتم يا بني قومي العرب من نشر هذه الكنوز وطبعها وتدريسها ودراستها وترجمتها لجميع اللغات الحية ؟! ، إن العرب أمة الماضي وأمة المستقبل، هم الذين علموا أوربا وأنقذوها من ضلالها في الماضي، كما علموا وأنقذوا غيرها من القارات، وهم الذين سينقذونها مرة أخرى مما تتخبط فيه من ظلم وفقر ومرض، وفوضى شاملة في الفكر والعقيدة، وفي الدساتير والنظم .

أخوتي العرب - أبطال الماضي ورجاء المستقبل - أين أنتم من تفاسير كتاب الله الكريم للغرناطي، وابن جابر، وابن جزي، والرعيني، والمرسي، والبلنسي، والمهدوي، وابن بقي، والصواري، وابن فرح، وابن عبد الرحمن، وابن أمية، وابن أصبغ، وابن زهدم، والشاري، والسلمي، والبلوطي، والمعافري، وابن موسى، ومرتنيل، والباغاني، وابن الزبير، والفرنجولشي، والزهرائي، وابن الحضرمي، وابن آمنة، والغساني، وابن زمنين، والحاتمي، وابن الفرس ، وابن جنون، وابن برد، والباجي، وابن مروان، وابن برجان، والغافقي، والحرالي، والجذامي، والقرطبي، وابن النعمة، وابن غالب، والطرفي، وابن أبي الرجال، وبقي بن مخلد... وغيرهم، وفيها ما يبلغ عشرات المجلدات.

تلك تفاسيرنا الأندلسية المغربية نضعها بجانب تفاسير أمثال ابن جرير الطبري، وابن كثير الدمشقي، والالوسي البغدادي، والسيوطي المصري، والشوكاني اليمني... وغيرهم من مفسري العجم وما وراء النهر ؟ .

أين أنتم يا قومي العرب من صحاح ومسانيد ومعاجم وسنن الحديث النبوي الكريم لبقي بن مخلد، وابن أيمن، وقاسم بن أصبع، وقاسم بن يوسف السبتي، وابن خالد، وابن مفرج، والداني، وابن معاوية، وابن الدباغ، وابن الحجام، وابن أبيض، وإسماعيل الإشبيلي، وابن سيد الحاطبي، وابن فطيس، وابن المطرف، وابن سعيد، وابن الريولي، والطليطلي، وعبد الحق، والحميدي، والبكري... وغيرهم ؟..

تلك دواويننا الأندلسية المغربية في جمع صحيح الأحاديث النبوية، وغيرها، وفيها ما يبلغ المجلدات ذوات العدد، و إنا لنضع بعض أصحابها بجانب مالك المدني، والبخاري الجعفي، ومسلم القشيري، وأبي داود السجستاني، وأضرابهم من إخواننا عرب المشرق ومسلميه. إنها مصنفات بلغت الذروة من الصحة والضبط والعدالة، قد هجرها قومنا وتوارث الأبناء عن الآباء ذلك الهجران .

أين أنتم يا بني قومي العرب من شراح الصحاح الست : البخاري، ومسلم، وأبي داود، والنسائي، والترمذي، وموطأ مالك؛ الأصول الرئيسية لأحد شطري الإسلام: الحديث النبوي الشريف ؟ . فقد عني بصحيح البخاري وسيلة أو غاية : عبد الحق، وابن أبي حجة، وابن القابسي، وابن أبي صفرة، والحميدي، وابن أحد عشر، ورزين، والكرسوطي الفاسي، وابن زرقون، والبطليوسي، والعجيسي، وابن نصر، وابن بطال، وابن قرذيال، وابن المرابط، وابن الصابوني، وابن رشيد السبتي، والباجي، وابن ورد، والألبيري، وابن يحيى، وابن أبي مروان، والعبدري، وابن غالب، وابن عتيق، وابن خلفون... وغيرهم ..

وشرح صحيح مسلم أو عني به وسيلة أو غاية : عبد الحق، وابن أبي حجة، وابن جزي، والسرغيني، والحميدي، وابن أحد عشر، والفاسي، ورزين، وابن زرقون، وابن عبد الله المرسي، وابن عمر القرطبي، وعلي الغساني، والذهبي البلنسي، وعبد الله الشيباني، وابن أحمد الإشبيلي، وابن موجوال، والحسين الغساني، وابن حوط الله قاضي سلا وسبتة، وعلي الوادآشي، وابن خلفون، وابن يحيى الإشبيلي، واللاردي... وغيرهم ..

وشرح سنن النسائي أو عني به سندا أو متنا : عبد الحق، ورزين، وابن النعمة، وابن أبي مروان، وابن عتيق... وغيرهم ..

وشرح سنن أبي داود وعني بها: الإشبيلي، ورزين، والكرسوطي الفاسي، وأبو علي الغساني، وابن عبد الملك الظاهري، والشقوري... وسواهم .

وشرح سنن الترمذي وعني بها سندا أو متنا: ابن سيد الناس، وابن العربي المعافري، والأطروش الدروقي، وابن معاوية، والإشبيلي، وابن أبي مروان... وسواهم ..

وشرح " الموطأ" المالكي وعني به : ابن القابسي، وابن السليم، والباجي، وعلي الوادآشي، وعلي الغساني، وعبد الملك بن حبيب، والبطليوسي، وإبراهيم بن مزين، ويحيى بن مزين، وابن نصر الاسدي، وابن أبي زمنين، وابن الحذاء، ومروان القطان، وابن الأبار، وابن الصفار، وابن شراحيل، وابن الحصار، والبوني، وابن البنا، وابن عبد البر، وأبو عمرو الطلمنكي، وعبد الله الاشبيلي، وأبو الحسن الفاسي، وابن مروان القرطبي، وسواهم كثير ..

أين نحن يا بني قومي من هذا التراث المهمل المهجور عصرا بعد عصر ؟؟ .

أما إذا شئتم الشعر و الأدب : وما غناء الأندلس فيه والمغرب ؟؛ فستجدون ذلك في دواوين ابن مجبر: يحيى بن عبد الجليل اليكي ؛ شاعر فاس بل المغرب وأديبه، ومالك ابن المرحل شاعر فاس الفحل وشارح فصيح ثعلب، وعبادة بن ماء السماء، وإبراهيم بن إدريس المؤبل شاعر الأدارسة وحطيئة المغرب، ويوسف بن حماد الصدفي قاضي سبتة وأديبها، وجعونة أبي الأجرب الكلابي الذي قال عنه ابن حزم: (( وإذا ذكرنا جعونة لم نبار به إلا جريرا والفرزدق، لكونه كان في عصرهما، ولو أنصفوه لاستشهدوا بشعره، وهو جار على أوائل مذاهب العرب )) .

ومحمد بن حبوس ؛ شاعر فاس المجلجل، ومحمد بن عبد الله الأنصاري شاعر طنجة، وأحمد بن دراج القسطلي الذي قال عنه ابن حزم: (( لو لم يكن عندنا من فحول الشعراء إلا ابن دراج لما تأخر عن شأو حبيب والمتنبي! )) . وناهيك بشاعر كان ابن حزم راويته ؛ فقد روى ابن خير الحافظ ديوان ابن دراج بجزأيه بأسانيده عن ابن حزم عن ابن دراج، وقد جمع شعره أيضا أبو طالب القيسي ، وزاد فيه كثيرا على ما بأيدي الناس ، ورتبه على حروف المعجم، وقد رأيت منه نسخة فريدة أثرية في مكناس في جزأين، وقد أخذت عـــنه نسخــتان ؛ إحــداهــمـــا في الرباط والثــانيــة في بغداد.

ومحمد بن حسن العثماني شاعر فاس، وابن الصائغ محمد بن باجة ضجيع فاس، وأحمد بن عبد السلام الجراوي شاعر تاولة وأديبها، وصاحب كتاب " صفـوة الأدب وديوان العرب" عارض به حماسة أبي تمام، وعبد الرحمن ابن أبي الفهد القيسي، وادريس بن يحيى أمير شعراء الدولة الإدريسية ، والكانمي شاعر كانم المجيد، وعلي بن عبد الله الإدريسي، ومروان ؛ حفيد عبد الرحمن الناصر الخليفة الأموي الذي قال عنه ابن حزم: (( هو في بني أمية كابن المعتز في بني العباس ؛ ملاحة شعر وحسن تشبيه! )) . وأكثر شعره في السجون؛ سجن وهو ابن ست عشرة سنة ، ومكث في السجون ست عشرة سنة، ثم أطلق وعاش بعد ست عشرة سنة، ويوسف بن هارون الرمادي ، ومالك بن محمد المرواني...إلى كثيرين غيرهم من فحول شعراء الأندلس والمغرب، أصحاب الدواوين المجموعة .

أين كتاب " البيان"1 لابن القطان الفاسي على أحكام عبد الحق، ذلك الكتاب الذي عني به الشرق والغرب الإسلاميان عصورا كثيرة ، ومنه نسخة فريدة وأثرية في خزانة القرويين بفاس- فقد رد على " البيان" : ابن المواق الفاسي، وانتصر لـه ابن عبد الملك المراكشي، ورتبه مغلطاي الحافظ المصري، وهو عمدة الحافظ ابن حجر المصري في جميع مؤلفاته الحديثية، كما رتبه صدر الدين ابن المرحل ؟.

أين كتاب " السماء والعالم" في اللغة لأحمد بن أبان في مائة مجلد، بدأه بالفلك وختمه بالذرة ؟. أين كتب أحمد بن محمد التاريخي في مآثر المغرب التي منها كتاب ضخم قال عنه ابن حزم: (( ذكر فيه مسالك الأندلس ومراسيها، وأمهات مدنها وأجنادها الستة ، وخواص كل بلد منها وما فيه مما لا يوجد في غيره ...))؟. أين كتاب " الحدائق" لأبي عمر بن فرج الجياني - الأديب العالم - الذي عارض به كتاب " الزهرة" لأبي بكر محمد بن الإمام أبي سليمان داود الظاهري ؛ إلا أن أبا بكر ذكر مائة باب في كل باب مائة بيت، وأبو عمر أورد مائتي باب في كل باب مائتا بيت ليس منها باب تكرر اسمه لأبي بكر ، ولم يورد فيه لغير أندلسي شيئا، قال عنه ابن حزم: (( وأحسن الاختيار ما شاء وأجاد ، فبلغ الغاية ، فأتى الكتاب فردا في معناه ))؟.

أين كتاب " أغاني زرياب" للأديب الفاتن أسلم بن أحمد سبط قاضي الجماعة بالأندلس أسلم بن عبد العزيز ؟ . أين كتاب " المساحة" لأحمد بن نصر العددي الذي قال عنه ابن حزم: (( لم يتقدم إلى مثله في معناه ))؟.

أين كتاب " المثلثات اللغوية" لعمر بن محمد القـضاعي ؛ وهو في عشر مجلدات ضخام ؟. أين " تاريخ الدولة اللمتونية" لابن الصيرفي ؟ .

اين كتاب " فقه الحسن البصري" في سبع مجلدات، و" فقه الزهري" في أجزاء كثيرة ؟ ، كلاهما لابن مفرج محمد بن أحمد القاضي أبي بكر الحافظ ؟. أين كتب محمد بن يوسف الوراق في أخبار تايهرت ووهران وتنس وسجلماسة ونكور والبصرة المغربية ؟.

أين كتاب " التصريف لمن عجز عن التأليف" لخلف بن عباس الزهراوي الذي يصفه ابن حزم بقوله : (( لئن قلت لم يؤلف في الطب أجمع منه للقول والعمل في الطبائع والجبر لأصدقن ))؟ . أين كتاب المنتخب لمحمد بن يحيى بن عمر ابن لبابة الذي يصفه ابن حزم بقولـه : (( ما رأيت لمالكي كتابا أنبل منه في جمع روايات المذهب ، وتأليفها ، وشرح مستغلقها وتفريع وجوهها))؟. أين كتاب " كلام يحيى بن معين" الذي جمعه ابن أبي القـراميد محمد بن ابراهـيم في ثلاثين جزءا ؟ . أين شرحا رسالة ابن أبي زيد ليوسف بن موسى السبتي الفقيه الحافظ الذي سلك في طريقة شرحه فيهما الحديث والأثر ؟ ...

أين مؤلفات بقي بن مخلد الأندلسي : سيد علماء الأندلس من أولها إلى منتهى أيامها - لا استثني إلا ابن حزم - والتي قال عنها ابن حزم : (( إنها قواعد للإسلام لا نظير لها، وكان صاحبها الإمام بقي مجتهدا لا يقلد أحدا ، وذا خاصة من الإمام أحمد بن حنبل ، وجاريا في مضمار البخاري ومسلم والنسائي، والتي منها : تفسيره للقرآن الكريم - وقد مضى ذكره - وهو الكتاب الذي أقطع قطعا لا أستثني فيه أنه لم يؤلف في الإسلام مثله، ولا تفسير محمد بن جرير الطبري ولا غيره، ومنها في الحديث مصنفه الكبير - وقد مضى ذكره - الذي رتبه على أسماء الصحابة رضي الله عنهم، فروى فيه عن ثلاثمائة وألف صاحب، ثم رتب حديث كل صاحب على أسماء الفقه وأبواب الأحكام، فهو مصنف ومسند، وما أعلم هذه الرتبة لأحد قبله، مع ثقته وضبطه وإتقانه واحتفاله فيه في الحديث وجودة شيوخه؛ فإنه روى فيه عن نحو ثلاثمائة شيخ ليس فيهم عشرة ضعفاء، وسائرهم أعلام مشاهير (وهو في نحو مائتي جزء) . ومنها : مصنفه في فتاوى الصحابة والتابعين ومن دونهم، الذي أربى فيه على مصنف ابن أبي شيبة وعبد الرزاق وابن منصور وغيرها، وانتظم علما كثيرا لم يقع في شيء من هذا ...)) . (انتهى كلام ابن حزم) . ومنها : كتابه في الحوض والكوثر1.

وبقي قد خصه قديما بالترجمة حفيده عبد الرحمن بن أحمد بن بقي المتوفى سنة 366 ، ومعاصره قبله الأمير الشهيد عبد الله بن عبد الرحمن الناصر الخليفة الأموي ؛ ذبيح والده سنة 339 ، وكتابه في بقي اسمه " المسكتة" في أجزاء.

مع العلم بأن تفسير ابن جرير الطبري هذا الذي لم يستثنه ابن حزم في تفضيله لتفسير بقي، قد قال عنه الإمام النووي : (( أجمعت الأمة على أنه لم يؤلف مثله!)). وقال عنه الإمام السيوطي: (( هو أجل التفاسير وأعظمها)). وقال عنه الإمام أبو حامد الاسفرايني: (( لو سافر أحد إلى الصين في طلبه ؛ لم يكن كثيرا!)).

أين تآليف عالم الإسلام قديما وحديثا في شرق الأرض وغربها، المعجزة الإسلامية في الأندلــس، وأعني به : الإمام أبا محمـد علي بن حزم: وهو الذي يقول عن نفســه: (( لو علمت أن أحدا على وجه الأرض أعلم مني قرآنا وحديثا ؛ لرحلت إليه ))؟ . ثم هو يعلن عن نفسه بأنه : كاد أن يحيط بالعلوم ؛ إلا العدد والهندسة ؛ فلم يقسم له فيهما نفاذ ، ولا تحقق بهما. كما يقول.

أما مؤلفاته ؛ فيقول عنها ولده الشهيد أبو الفضل رافع : (( اجتمع عندي بخط أبي من تواليفه نحو أربعمائة مجلد تشتمل على قريب من نحو ثمانين ألف ورقة! )) . ولم يطبع منها وينتشر ويعرف إلا ما لا يكاد يصل إلى الأربعين مجلدا من هذه الأربعمائة مجلد، والكثير منها ضاع حتى اسمه، والباقي عرفنا أسماءه وبعض أوصافه من كتبه المطبوعة وغيرها من كتب الأندلسيين وغيرهم، ولقد جمعت أسماءها وأسماء ما مضى من كتب وأسماء من بطون المئات من المجلدات مغربية ومشرقية1 . 

أين كتبه في التفسير: كتاب في قوله تعالى : حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا... . ] يوسف : 110[ ، وكتاب مستقصى - كما يصفه هو- كتبه إلى أبي عامر أحمد بن عبد الملك ابن شهيد في بلاغة القرآن، وأنه تعالى أخرجها عن نوع بلاغة المخلوقين، وكتاب وصفه هو بالشهرة في تفسير قوله تعالى  فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسئل الذين يقرؤن الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك . ] يونس : 94 [ ، وكتاب " القراءات"... ؟ .

أين كتبه في الحديث الشريف: " الجامع في حد صحيح الحديث" باختصار الأسانيد والاقتصار على أصحها، وشرحه لحديث موطأ مالك، وجزء في أوهام صحيحي البخاري ومسلم ( وهذا الجزء وإن لم أقف عليه مجموعا فقد جمعت مسائله من كتابه المحلى ونشرتها في مجلة الرسالة المغربية في عدديها 25 و 26 شوال 20 - 27 سنة 1368 ) ، وأسماء الله الحســـنى الذي قال عنه أبو حــامد الغـزالي: (( يدل على عظم حفظ ابن حزم وسيلان ذهنه )) ، و" الملاهي" ، و" ترتيب مسند بقي بن مخلد" ، و" الجرح والتعديل" - هو تاريخ كبير لرجال الحديث كما وصفه الضبي - وفهرسته، والوحدان من مسند بقي ابن مخلد، والصحابة الذين أخرج لهم بقي بن مخلد .. ؟ .

أين كتبه في الفقه على طريـقته ؛ وهي طــريق المجتهــدين رجال الحـــديث والأثر: " الإيصال إلى فهم الخصال الجامعة لشرائع الإسلام والحلال والحرام والسنة والإجماع" ، قال هو عنه : (( قد جمعنا فيه النصوص الإسلامية كتابا وسنة وإجماعا ... ومذاهب الصحابة والتابعين فمن بعدهم من فقهاء الأمصار منذ أربعمائة ونيف وأربعين عاما من شرق الأرض إلى غربها)) ، ومنه قطعة لخصها ولده الشهيد : أبو رافع الفضل أتم بها كتابه والده المحلى بعد أن فجأه الموت - وهو مطبوع شهير - وهي تبتدئ من نهاية المسألة 2023 من الجزء العاشر صفحة 401 إلى نهاية المجلد الحادي عشر. وما المحلى هذا إلا كتاب صغير؛ مع اشتماله على المجلدات الإحدى عشر، وضعه ابن حزم كما يقول في موضعين منه : (( للعامي والمبتدئ ، وتذكرة للعالم )) . وعلى هذا المعنى البسيط الذي وضعه لـه مؤلفه. ويصف كتاب " المحلى" الإمام عز الدين ابن عبد السلام المصري بأنه مع المقنع لابن قدامة : (( لم يؤلف في الإسلام مثلهما! )). وكتاب " الإيصال" يزيد على الخمسين مجلدا.

و" التلخيص والتخليص في المسائل النظرية وفروعها التي لا نص عليها في الكتاب والحديث" ، و" الإعراب عن الحيرة والالتباس الموجودين في مذاهب أهل الرأي والقياس" ، وقد وصفه هو بأنه : (( كتاب ضخم أفرده في المسائل التي خالف فيها مالك وأبو حنيفة والشافعي الجمهــور من الصحابة لا يعرف لهم في قضــايا كثيرة مخالف )) ، ووصفه مرة أخرى بأن المتأمل إذا تأمله ؛ رآهم كأنهم مغرمون بخلاف الصاحب فيما وافق فيه السنة، وتقليده في رأي وهم فيه أبدا، ووصفه كذلك بأنه : (( تقصى فيه عظيم تناقضهم وفاحش تضاد حجاجهم وأقوالهم...)) .

و" الاجتهاد والمقلدة" ، ] وهو في [ أجزاء ضخمة - كما قال هو - فيما خالف فيه أبو حنيفة ومالك والشافعي جمهور العلماء، وفيما قاله كل واحد منهم مما لا يعرف أحد قال به قبله، وقطعة فيما خالف فيه كل واحد منهم الإجماع المتيقن المقطوع به...))، و" المجلى" ؛ وهو أصل كتابه " المحلى" ، و" الصادع في الرد على من قال بالتقليد".

أين كتبه في السيرة النبوية، والفلسفة، والتاريخ، والأدب، والاجتماع... وغيرها: كتاب " السيرة النبوية" ، وكتاب " حجة الوداع" ؛ قال عنه خليل بن أيبك الصفدي: (( أجاد فيه )) . و" العلم الإلهي" ؛ قال عنه مؤلفه : (( هو نقض لكتاب محمد بن زكريا الرازي الطبيب الأندلسي ، وتزييف لنظريته فيه ؛ من: أن النفس والمكان المطلق - الخلاء والزمان - لم يزالا مع الله...)) ، و" الـتـقـريب لحدود المنطق" ؛ قال هو عنه في أحكامه : (( هو جليل المنفعة عظيم الفائدة، لا غنى لطالب الحقائق عنه، فمن أحب الثلج وأن يقف على علم الحقائق؛ فليقرأه، ثم ليقرأ كلامنا في وجوه المعارف من كتابنا الموسوم بكتاب :" الفصل" ، ثم ليقرأ كتابنا هذا؛ فإنه تلوح لـه الحقائق دون إشكال...)) .

وكتب أخرى غير " التقريب" ألفها في المنطق؛ ذكرها هكذا جملة في " الملل والنحل" ، وكتاب كبير - كما يصفه هو- نقض فيه شبه من قال: (( الإيمان عقد بالقلب فقط )) ؛ كما قال جهم، والاشعري، رد به على عطاف ابن دوناس القيرواني.

وديوان شعره، بجمع الحميدي الحافظ ؛ قال عنه هذا الجامع : (( لـه شعر كثير ، وما رأيت من يقــول الشعر على البديـهــة أسـرع منه!، وقد جمعته على حروف المعجم )). وكتاب " الرد علـــى ابن الإفليلي في شرحه لشعـــر المتنــبي" ، وكـــتــاب " التاريخ" ؛ قال عنه ابن خير الإشبيلي الحافظ : (( هو كتاب كبير، بلغ الغاية من الإتقان، وهو في خمس وثمانين جزءا )) . ولا أدري هل هو تاريخه في الجرح والتعديل أو كتاب آخر ؟ ..

و" طبقات القراء" ، و" أوقات الأمراء وأيامهم بالأندلس" ، و" فضائح البربر" ، و" مراتب العلوم" ، وجزء في فضل العلم وأهـلـه ؛ ذكره لـه الحافــظ الــروداني في " صلة الخلف" ، و" العاقبة" ، و" نكت الإسلام" ، و" الدرة" ، و" النبذة" ...

ولابن حزم كتب وعد بكتابتها، ولا أعلم أأعين على الوفاء بوعوده من صحة وحياة، أو اخترم دون وضعها.

ووعد في محلاه بجمع الأحاديث الساقطة التي يحتج بها المالكية، ووعد في مواضع من أحكامه بأنه سيفرد كتبا: في الأحاديث والآي التي ظاهرها التعارض. ووعد في أحكامه – إن أعانه الله بقوة من عنده وأمد بفسحة من عمره – أن يتتبع ما تركت الطائفتان الحنفية والمالكية من الأحاديث المرسلة، ويقدر المتروك منها بأزيد من ألفي حديث بلا شك، وأنه سيجمعها في كتاب مفرد. ووعد في أحكامه بتقـصي تناقـض القائلين بالتعليل في النصوص، وأنه لو تتبعه لدخل في أزيد من ألف ورقة، قال : (( ولعل الله يعينه على تقصي ذلك في كتاب " الإعراب" )) .

وإن للمرأة الأندلسية كذلك لنتاجا طيبا صالحا؛ أين كتاب " قيان الأندلس" لفتحونة بنت جـعـفـر المرسية، التي عارضت به كتاب " الأغاني" لأبي الفرج الأصبهاني ؟ ، أين كتاب" القـبور" لأم الهناء بنت القاضي عبد الحق ابن عطية ؟.

وأرجو ألا يلومني قارئي عندما يراني أجمع بين الأندلس والمغرب حضارة وثقافة وتاريخا، فالأندلس الشهيدة قد أصبحت مدمجة في المغرب اندماج الماء في رطب الغصون، فمواطنونا عشرات الآلاف منهم قد وردوا المغرب قطانا وأهلين ، وأتوا معهم بجميع مقومات الحياة الأندلسية .

ثم المغرب قد انضم للأندلس والأندلس قد انضم للمغرب أجيالا وأحقابا، حتى أصبح من العسير التفريق بين من هو من مغربنا الأقصى أو بين من هو من الأندلس أخلاقا وملامح وتربية وعادات...

وإلى الآن ؛ فلقد كنت أشعر وأنا بين أطلال آبائنا العرب الشهداء في قرطبة وغـرناطة وإشبيلية وغيرها من المدن والقرى الأندلسية، أنني بين أحياء فاس ومكناس ومراكش ودورها، بل حتى الوجوه وكثير من عادات أصحابها هناك في الأندلس، وهنا في المغرب كثيرة الشبه، لا أكاد أشعر بفارق؛ سوى فارق العمامة والقبعة، واللحية وحلقها، والألبسة الفضفاضة والألبسة الضيقة.

أما الخـيام فإنها كخيامـــهـــــم=وأرى رجال الحي غير رجالها

{ إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد. قل ربي أعلم من جاء بالهدى ومن هو في ضلال مبين} . [ القصص : 85 ، 86 ].

نشر البحث ضمن كتابه: "فاس عاصمة الأدارسة، ومقالات أخرى"، المنشور ضمن موسوعتنا: الموسوعة الكتانية لتاريخ فاس، العدد الثالث...

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين