مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (70)

(وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلَّآ أَيَّامٗا مَّعۡدُودَةٗۚ قُلۡ أَتَّخَذۡتُمۡ عِندَ ٱللَّهِ عَهۡدٗا فَلَن يُخۡلِفَ ٱللَّهُ عَهۡدَهُۥٓۖ أَمۡ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ)[البقرة: 80]

السؤال الأول:

ما الفرق بين دلالة الجمع في (معدودة) و (معدودات)؟

الجواب:

القاعدة: وصف جمع غير العاقل: إنْ كان بالإفراد يكون أكثر من حيث العدد من الجمع السالم، كأنهار جارية وأنهار جاريات، فالجارية أكثر من حيث العدد من الجاريات، وأشجار مثمرة أكثر من مثمرات، وجبال شاهقة أكثر من حيث العدد من شاهقات، فالعدد في الأولى أكثر، وجمع السالم قلة. فهذه من المواضع التي يكون فيها المفرد أكثر من الجمع.

لذلك تكون (معدودات) جمع قلّة، وهي أقل من (10)، أمّا (معدودة) فهي تدل على أكثر من (10).

شواهد قرآنية:

ـ قال تعالى في سورة آل عمران: (ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلَّآ أَيَّامٗا مَّعۡدُودَٰتٖۖ وَغَرَّهُمۡ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ) [آل عمران:24] اختيار كلمة (مَّعۡدُودَٰتٖۖ) في هذه الآية؛ لأنّ الذنوب التي ذُكرت في هذه الآية أقلّ. وهذا يناسب أمنية من قال من اليهود: أنهم سيُعَذبون سبعة أيام فقط , لكل ألف سنة من عمر الدنيا سيُعَذبون يوماً واحداً في النار , وهي في زعمهم سبعة آلاف سنة , ثم ينقطع العذاب. 

ـ وقال تعالى في سورة البقرة: (وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلَّآ أَيَّامٗا مَّعۡدُودَةٗۚ قُلۡ أَتَّخَذۡتُمۡ عِندَ ٱللَّهِ عَهۡدٗا فَلَن يُخۡلِفَ ٱللَّهُ عَهۡدَهُۥٓۖ أَمۡ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ) [البقرة:80] اختيار كلمة (مَّعۡدُودَةٗۚ) في هذه الآية؛ لأنّ الذنوب التي ذُكرت في سياق هذه الآية أكثر. انظر آيات البقرة [75: 80].وهذا يناسب أمنية من قال من اليهود: أنهم سيُعَذبون أربعين يوماً فقط , بعدد الأيام التي عبدوا فيها العجل , ثم ينقطع العذاب.

ـ وقد قال تعالى في سورة يوسف عليه السلام: (وَشَرَوۡهُ بِثَمَنِۢ بَخۡسٖ دَرَٰهِمَ مَعۡدُودَةٖ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزَّٰهِدِينَ) [يوسف:20] أي أكثر من 11 درهماً، ولو قال: (معدودات)، لكانت أقل.

السؤال الثاني:

ما دلالة هذه الآية؟ وما نوع الفاء في قوله تعالى: (فَلَن) ؟ وما دلالة الحرف (أَمۡ) ؟

الجواب:

1 ـ هذه من الأماني التي يعتقدها اليهود أنهم لن يُعذبوا إلا أربعين يوماً بعدد الأيام التي عبدوا فيها العجل , ثم ينقطع العذاب , فيمنون أنفسهم بذلك , فردّ الله عليهم: (قُلۡ أَتَّخَذۡتُمۡ عِندَ ٱللَّهِ عَهۡدٗا فَلَن يُخۡلِفَ ٱللَّهُ عَهۡدَهُۥٓۖ أَمۡ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ) [البقرة:80] فأخبر سبحانه أنّ أمر دعواهم متوقفٌ على:

آ ـ إمّا أن يكونوا قد اتخذوا عند الله عهداً, فتكون دعواهم صحيحة.

ب ـ وإمّا أنهم متقولين على الله , فتكون دعواهم كاذبة , وهذا أبلغ في خزيهم وعذابهم.

ولمّا عُلم من حالهم , بسبب تكذيبهم وقتلهم لكثير من أنبيائهم , أنهم لم يتخذواعند الله عهداً , فتعيّن أنهم متقولون على الله , وهذا من أشنع القبائح.

2ـ الفاء في: (فَلَن) هي فاء الفصيحة لأنها أفصحت عن شرط مقدر: إنْ اتخذتم عند الله عهداً فلن يخلف الله عهده.

وأمّا الحرف: (أَمۡ) في الآية فهو حرف عطف معادل للاستفهام فهي متصلة , ويحتمل أن تكون منقطعة بمعنى: ( بل ) وكلاهما يفيد معنى التقرير والتوبيخ.

والله أعلم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين