الحَيْد والنَّصَفَة- في واقع الناس عامة، وفي أهل العلم خاصة- عزيز نادر

نقرأ قولًا أو نسمعه، وسرعان ما نبني موقفنا، بلا إمعان في وجوهه، ولا تقليبه على أنظار ومحامل متباينة الزوايا.

وما أكثر ما يكون السبب الخفي لذلك، الاعتماد على صحة الفهوم، وسلامة التصورات، بل وصدق الأحداس! مع أن أكثرها ظنون.

مهلًا، لا تعجب ولا تعجل، فقد نكون- أنا وأنت- على أكوام أوهام، ونحن نظنها مسلمات وحقائق.

بالفتنة والاختبار تتمحص آراء، وتنمحق أخرى.

مِن قاعات الامتحان تلك:

قراءة رأي محبب إلى النفس، دون معرفة كاتبه.

أو الرجوع بالذاكرة القهقرى لاستعراض أقوال كُذبت بادي الرأي، ثم سلم بها بعد معرفة قائلها.

أو ابتكار طريقة تمتحن بها المحاكمات. المهم أن يجعل أحدنا ثقل اختبار الآراء على فهمه وإحاطته.

وأعرض مثالين صادقين مِن نفسي وتجربتي:

١- كنت منذ مدة في بحث مسألة، فاستوقفني البحث الإلكتروني في برنامج الشاملة، على رأي أعجبني، ولم أجد بدًا من التسليم بدقته وتحقيق كاتبه حسب علمي وفهمي.

فلما أن أردتُ تقييده عندي، وجدتُ أن خطأ صغيرًا في اسم الكتاب، جعلني أنتقل ذهنيًا إلى كاتب الكتاب الذي توهمت، ومِن ثم أتلقى الكلام بإجلال وقبول.

فلما تبيّنتُ الخطأ خر الرأي مِن مكامنه، وهوى مِن قواعده في رأسي، وجعلتُ أعيد النظر فيه، علّي أجد فيه عيوبًا ومآخذ، ثم انصرفتُ عنه نظرًا وتقييدًا!

٢- ذات مِراء على إحدى مجموعات المرسال السريع (واتساب)، حول قضية الحاكم، تابعتُ مزعج الأقوال، ومنتاقض الآراء، حتى ضقتُ ذرعًا بأساليب النقاش، لا بالنقاش ذاته، فأردت امتحان مبادئ المشاركين، ومناهج تفكيرهم.

فأخذتُ نَفَسًا جوينيًا، لأتقمص بعض أسلوب إمام الحرمين الجويني- رحمه الله تعالى- وكنت حينها مصاحبًا كتابه (البرهان)، فكتبت أسطرًا في القضية محل المراء والجدال، ثم أرسلتُ ما كتبتُ مصدّرًا بقولي: (قال الإمام الجويني:...)، ولم تكد الرسالة تطمئن مقدار تسبيحة، حتى استقبلتْها عباراتُ الثناء، والتسليم، والقول بأن هذا هو القول الفصل، ولا فض فوك، وجزاك الله خيرًا...

فأسررتُ في نفسي المغادرة، ولم أُبدها لهم، ثم غادرت.

وإلى اليوم مازلت أتألم لأمرين:

١- عدم احتفاظي بذلك (النص الجويني).

٢- أنه لم يسألني عن التوثيق-فيما أذكر- سوى أخ أوحد سألني برسالة منفردة خاصة.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين