مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (69)

(وَمِنۡهُمۡ أُمِّيُّونَ لَا يَعۡلَمُونَ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّآ أَمَانِيَّ وَإِنۡ هُمۡ إِلَّا يَظُنُّونَ)[البقرة: 78]

السؤال الأول:

الأميّ هو من لا يعرف القراءة ولا الكتابة لكن من أين أتى هذا اللفظ؟ ومن أين اكتسب معناه؟

الجواب:

إن كلمة (أُمِّيٍّ ) اسم منسوب, والنِّسبةُ: هي كل اسم انتهى بياء مشددة , فإذا أردنا أن ننسب رجلاً إلى اليمن نقول هو يمنيٌّ، فما الكلمة التي نُسِب إليها الأُمِّيُّ؟ إن هذا الاسم منسوب إلى الأمِّ، أي: الوالدة؛ لأنه بقي على الحال التي بقي عليها مدة حضانة أمه له فلم يكتسب علماً جديداً , لذلك قيل عنه أميّ.

السؤال الثاني:

ما المعسكرات التي واجهت الدعوة الإسلامية في مكة والمدينة؟

الجواب:

المعسكرات التي واجهت الدعوة الإسلامية هي: 

آ ـ المشركون في مكة.

ب ـ أهل الكتاب في المدينة , ومعظمهم من اليهود، أمّا النصارى فعددهم قليل.

وأهم فرق اليهود قسمان:

1 ـ (وَمِنۡهُمۡ أُمِّيُّونَ لَا يَعۡلَمُونَ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّآ أَمَانِيَّ) [البقرة:78] وهؤلاء لا يعرفون من التوراة إلا ما يقوله لهم أحبارهم فقط, وهؤلاء ربما لو كانوا يعلمون ما في التوراة من صفات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لآمنوا به, والله لم ينفِ عنهم مطلق العلم ولكنه نفى خصوصية العلم؛ لأنه قال: (لَا يَعۡلَمُونَ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّآ أَمَانِيَّ) [البقرة:78].وهؤلاء هم العوام من اليهود , وليسوا من أهل العلم , وهؤلاء إنما معهم ظنون وتقاليد لأهل العلم منهم.

والأماني بالتخفيف جمع أُمنِيَةٍ، وبالتشديد جمع أُمنِيَّةٍ , وهؤلاء الأميّون يأخذون المعلومات البسيطة من أحبارهم فيصدقونهم دون مناقشة، فيحمل هؤلاء الأحبار أوزارهم وأوزار الذين يضلونهم بغير علم.

وكلمة (أَمَانِيَّ) [البقرة:78] لها معان مشتركة في أصل واحد، ومنها:

آ ـ ما يتخيله الإنسان فيقدّر في نفسه وقوعه، كقوله تعالى: (يَعِدُهُمۡ وَيُمَنِّيهِمۡۖ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ إِلَّا غُرُورًا) [النساء:120] ويكون معنى الآية [78] أنّ أمانيهم في أنّ الله تعالى لا يؤاخذهم بخطاياهم، وأنّ آباءهم يشفعون لهم، وأنّ النار لا تمسهم إلا أياماً معدودة , وأنهم شعب الله المختار , وأنهم أبناء الله وأحباؤه , وأن الجنة خُلقت لهم لا لغيرهم.

ب ـ (إِلَّآ أَمَانِيَّ): بمعنى أكاذيب سمعوها من علمائهم فقبلوها على التقليد.

ج ـ (إِلَّآ أَمَانِيَّ): إلا ما يقرؤون، أي: إلا بقدر ما يتلى عليهم فيسمعونه ثم إنهم لا يتمكنون من التدبر والتأمل.

2 ـ وقسم يعلمون التوراة، ولكنهم يغيرون ما فيها ويكتبونه بأيديهم ويقولون هذا من عند الله، ولذلك توعدهم الله بالعذاب: (فَوَيۡلٞ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتۡ أَيۡدِيهِمۡ وَوَيۡلٞ لَّهُم مِّمَّا يَكۡسِبُونَ) [البقرة:79] وهؤلاء متعمدون للإثم, وليست صكوك الغفران إلا شكلاً من أشكال كسبهم الحرام.

فذكر القرآنُ الكريم في آيات سورة البقرة ( 76:78 ) علماء اليهود , وعوامَهم , ومنافقيهم , ومن لم ينافق منهم , فالعلماء منهم متمسكون بما هم عليه من الضلال , والعوام مقلدون لهم , ولا بصيرة عندهم , فلا مطمع لكم في الطائفتين.

السؤال الثالث:

ما نوع الاستثناء في قوله تعالى: (إِلَّآ أَمَانِيَّ) ؟

الجواب:

هذا استثناء منقطع , لأنّ الأماني ليست مندرجة تحت مدلول الكتاب , ولهذا وجب نصبُه رغم تقدم النفي , وإنما يكون ذلك في كل موضع حسن أنْ يوضع فيه مكان ( إلا ) بـ ( لكن ) فيُعلم حينئذ انقطاع معنى الثاني عن معنى الأول.والله أعلم.

(فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ يَكۡتُبُونَ ٱلۡكِتَٰبَ بِأَيۡدِيهِمۡ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ لِيَشۡتَرُواْ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلٗاۖ فَوَيۡلٞ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتۡ أَيۡدِيهِمۡ وَوَيۡلٞ لَّهُم مِّمَّا يَكۡسِبُونَ) [البقرة: 79]

السؤال الأول:

ما الفرق بين (يا ويلنا) وبين (يا ويلتي)؟

الجواب:

الويل: هو الهلاك والعذاب، واسم لوادٍ في جهنم، ويجمع على ويلات, وقد تلحقه الهاء فيصبح: الويلة: وهي الفضيحة والخزي.

وقد وردت (الويل) في عدة صيغ في القرآن الكريم وهي:

آ ـ (وَيۡلٞ) في سبعة وعشرين موضعاً.

ب ـ (وَيۡلَكَ) الأحقاف [17].

ج ـ (وَيۡلَكُمۡ) [طه:61]، القصص[ 80].

د ـ (يَٰوَيۡلَنَا) الأنبياء[14،46، 97]، يس [52]، الصافات[20]، القلم[31].

وكذلك وردت (الويلة ) في صيغتين:

آ ـ (يَٰوَيۡلَتَىٰ) [هود:72]، الفرقان[ 28].

ب ـ (يَٰوَيۡلَتَنَا) [الكهف:49]. 

السؤال الثاني:

ما فائدة ذكر كلمة (أَيۡدِيهِمۡ) في الآية؟

الجواب:

ذكرُ كلمة (أَيۡدِيهِمۡ) مع أنّ الكتابة تتم باليد؛ لتأكيد وقوع الكتابة من قِبَلهم وتبيان أنهم عامدون في ذلك, كما تقول: (نظر بعينه) مع أنّ النظر لا يكون ولا يتم إلا بالعين, وتقول: (تكلّم بفمه ) فالغاية من هذا كله تأكيد العمل. والله أعلم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين