ملامح سور القرآن الكريم : سورة الأعراف

المشهد الأساسي في سورة الأعراف هو مشهد القيامة في أولها، وفيه ذكر الرجال على أعراف الحجاب الذي بين الجنة والنار، وهو مشهد لا نظير له في القرآن، وهذا الصنف من الناس لم يأت له ذكر في القرآن في موضع آخر، ولذلك فهذا المشهد هو محور السورة ومفتاحها.

أصحاب الأعراف قوم فيهم خير وشر، وتلبسوا بإيمان وكفر، واستوت حسناتهم وسيئاتهم، فلم يدخلوا الجنة ولم يدخلوا النار، وهم يعرفون أهل الجنة ويعرفون أهل النار بسيماهم، من أجل مخالطتهم لهؤلاء وهؤلاء.

فهم موقوفون على السور المضروب بين الجنة والنار يتطلعون إلى أصحاب الجنة ويسلِّمون عليهم ويطمعون أن يكونوا من أهلها، وتحين منهم نظرة إلى أصحاب النار على كره منهم فيدعون الله ألا يكونوا معهم.

ولم يذكر السياق مصيرهم، وذلك للتخويف من مثل هذه الحالة المفزعة المخيفة. وقوله: (ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون) هو للمستضعفين الذين أقسم المستكبرون أن الله لن ينالهم برحمة.

ولما قص الله تعالى قصص الأنبياء مع أقوامهم كان ذلك تمهيدًا للقصة الطويلة لبني إسرائيل الذين هم أقرب أن يكون كثير منهم وممن سار بسيرتهم من بعدهم من أصحاب الأعراف. فهؤلاء الأقوام قبل بني إسرائيل انقسموا طائفتين: طائفة آمنت وطائفة كفرت، وأما هم فآمنوا ثم تلبسوا بكثير من المخالفات، وقالوا لموسى اجعل لنا إلها، وعبدوا العجل من دون الله، ثم تابوا، ثم اعتدوا في السبت، وفتنهم عرض الدنيا مرة بعد مرة، وكتب الله عليهم التفرق في الأرض، وأن يبعث عليهم من يسومهم سوء العذاب، إلى آخر ما قص الله في السورة، فقصتهم هنا طويلة، وفيها كثير من التلون والتقلب، ومن العقوبات الدنيوية الشديدة، وموقفهم يوم القيامة ومن كان مثلهم حرج ومفزع في أصحاب الأعراف.

ومن أول السورة تجد إلماحا إلى هذا الصنف، فمثلا قوله: (فلا يكن في صدرك حرج منه) فيه إشارة إلى تحرج بعض الناس من تكاليف الشرع، تغويهم الشياطين، ويضغطهم الواقع، فيتنصلون مما عُهد إليهم وآمنوا به.

وفيها أيضا: (والوزن يومئذ الحق)، يمهد لشأن هؤلاء الذين استوت حسناتهم وسيئاتهم. وقصة مراودة الشيطان لآدم وزوجه ثم عصيانهما وتوبتهما وإهباطهما إلى الأرض، ومن قبلها أقسم الشيطان أن يأتي بني آدم من كل مكان للإغواء والصد عن سبيل الله حتى يزلوا ويضلوا، إلى كثير مما يمكن رده إلى هذا الأصل في السورة.

وفي آخرها ذكر (الذي آتاه الله آياته فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين)، ولعله قبل الانسلاخ كانت له أعمال صالحة وحسنات وفضائل ولكنه انقلب على عقبيه فجمع بين حالتين متناقضين.

وصلة السورة بسورة الأنعام قبلها هو ما يشوب التوحيد من شوائب العصيان والفسوق والكفر، كما في حالة بني إسرائيل، بعد قيام الحجة، وبلوغ الرسالة، وتواتر النعم، وهذا له عواقب في الدنيا وفي الآخرة.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين