كيف أكون رفيقاً بأبنائي؟

قال: وعدتني أن تُحدّثني عن خُلُق مهم من أخلاق الأب المثالي.

قلت: صحيح.. خُلُق الرفق.. الذي يجب أن يتحلى به الأب أولًا، ثم يربي أولاده عليه.

قال: كيف يكون الأب رفيقًا؟

قلت: لابد في كل خُلُق من أن نرجع إلى أسوتنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم

قال: ولكن أولاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ماتوا صغارًا جدًا، فكيف نعرف رفقه بالأبناء؟

قلت: الرفق ليس بالأولاد الذكور فقط بل بالبنات أيضًا. ثم إن رفقه صلى الله عليه وآله وسلم بأطفال المسلمين وأبنائهم يكفي لنتأسى به.

قال: صدقت.

قلت: لقد خدم أنس بن مالك النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم عشر سنين، ومنه نستطيع أن نُحيط بشيء من رِفقه صلى الله عليه وآله وسلم فقد قال أنس رضي الله عنه: (لقد خدمتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشر سنين، فوالله ما قال لي أفٍّ قط، ولم يقل لشيءٍ فعلته لمَ فعلت كذا؟ ولا لشيء لم أفعله ألا فعلتَ كذا). صحيح مسلم

قال: لعلّ أوضح شيء نقتبسه من حديث أنس رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وآله وسلم لايتأفّف من الصغار؛ كما جاء في قول أنس (فوالله ما قال لي أفٍّ قطّ)

قلت: أحسنت، لكني أحب أن أضيف أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يتأفّف من الصغار ولا من الكبار

قال: ومِن رِفقِه صلى الله عليه وآله وسلم فيما ذكرت من حديث أنس رضي الله عنه أنه ما كان يلوم على أي فعلٍ، سواء وقع أم لم يقع

قلت: وهذا أيضًا من الرفق بالأبناء الذين يعانون كثيرًا من تقريع آبائهم لهم : لو فعلتم كذا ما صار كذا، أو : لو لم تفعلوا ذلك لما حدث هذا

قال: وهم يخالفون بهذا وصيته صلى الله عليه وآله وسلم في حديث آخر له يقول فيه: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولاتعجز، فإن أصابك شيء فلاتقل: لو أني فعلتُ كذا لكان كذا وكذا؛ فإن (لو) تفتح عمل الشيطان، ولكن قل: قد قدر الله وما شاء فعل).

قلت: بارك الله فيك.. حين يجد الأبناء أباهم لايلومهم، ولايلوم نفسه، فإنهم يتربّون على هذا، وهو من أعظم خصال الرفق بالنفس وبالأبناء، لأن اللوم قتّال

قال: ماذا أيضًا عن رِفقِه صلى الله عليه وآله وسلم؟

قلت: أختار رِفقِه صلى الله عليه وآله وسلم بالفتى الذي جاء يستأذنه في الزنا، ففيه إشارات توجيهية كثيرة إلى الآباء والمعلمين والمربِّين.

قال: تفضل.

قلت: عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: إن فتى شابًا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يارسول الله.. ائذن لي بالزنا! فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا: مَهْ.. مَهْ،

فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ادنُ، فدنا منه قريبًا، فجلس،

قال صلى الله عليه وآله وسلم: (أتحبه لأمك؟) قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك،

قال صلى الله عليه وآله وسلم: (ولاالناس يحبونه لأمهاتهم)، ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم: (أفتحبه لابنتك؟)

قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك.

قال صلى الله عليه وآله وسلم: (ولا الناس يحبونه لبناتهم)، ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم: (أفتحبه لأختك؟)

قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك.

قال صلى الله عليه وآله وسلم: (كذلك الناس لايحبونه لأخواتهم)، ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم: (أفتحبه لعمتك؟)

قال: لا والله جعلني الله فداءك.

قال صلى الله عليه وآله وسلم: ولا الناس يحبونه لعماتهم)، ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم: (أفتحبه لخالتك؟)

قال: لا والله جعلني الله فداءك.

قال صلى الله عليه وآله وسلم: (ولا الناس يحبونه لخالاتهم)، ثم وضع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يده الشريفة عليه وقال: (اللهم اغفر ذنبه، وطهِّر قلبه، وحصِّن فرجه)، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء، وفي رواية (فلم يكن شيء أبغض إليه من الزنا).

قال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله.. ما أرحمك وما أحلمك.

قلت: لقد كان رفقه صلى الله عليه وآله وسلم ظاهرًا واضحًا فلم يصرخ في الفتى، ولم يؤنّبه ولم يوبّخه، ولم يبعده عنه بل قرّبه إليه: (ادنُ)، وتركه يجلس فلم يأمره بالوقوف كما قد يفعل بعض الآباء والمعلمين، وحاوره حوارًا هادئًا رفيقًا دعاه خلاله إلى أن يضع نفسه موضع من يريد الزنا بها، مثل ابنها وأبيها وأخيها وابن أخيها وابن أختها حتى يُنبّهه إلى أنه كما لايرضى أن يزني أحد بأمه وابنته وأخته وعمته وخالته فإن الناس كذلك لايرضونه ولايحبونه لأمهاتهم وبناتهم وأخواتهم وعماتهم وخالاتهم.

قال: ليس بعد هذا الرفق رفق.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين