قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ

قرأتُ قصّة المرأة التي جاءت تشتكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم واسمها ( خولةُ ) بنت ثعلبه من زوجها ( أَوْس ) بن الصامت ، أنّ زوجها ظاهَرَها ( أي قال لها أنتِ عليَّ كظهر أمي ) وهذا القول في الجاهلية يعني الطلاق ويقتضي أن تَحرُمَ عليه حرمةً مؤبّدةً ، ولكن الحكم في الأسلام يختلف عن الطلاق بما له من كفّارةٍ ( ولم أبحث في موضوع الظهار بحثاً دقيقاً فأنا هنا لست بصدد إصدار حكم أو ترجيح فتوى) 

تعدّدت الروايات في قصّة المرأة التي جادلت الرسول صلى الله عليه وسلّم ، وقد أخذتُ واحدةً منها وصغتها شعراً … 

ومختصر الرواية أن الرسول صلى الله عليه وسلّم استمع ( لخولة ) وهي تشتكي من زوجها وتقول : إنّ زوجي ( أوس ) أكل مالي وأفنى شبابي ونثَرْتُ له بطني ( كنايةً عن الإنجاب والأولاد ) حتِى إذا كبِرَتْ سنّي وانقطع ولدي ظاهرَ مِنّي !!! وتحدّثت ببلاغةٍ أبكَت الحضور 

أطرق الرسول مليّاً ينتظر المعونة من الله ليحكم في هذا الأمر ، ثمّ انفرجت أساريره وابتسم ، حيث جاءه جبريل بالوحي من السماء ، فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلّم : لقد سمع الله شكواك ، ثم تلا عليها الآية التي نزلت عليه : { قد سمع الله قول التي تُجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله ، والله يسمع تحاوركما }

ثمّ قال لها عودي لزوجك وفداء الظِهار أن يعتق زوجك رقبة ، فقالت : ليس له في ذلك يدان ، فقال : فلْيصُم شهرين متتاليين فقالت : إنه مريض ، قال : فلْيُطعم ستين مسكيناً ، فقالت : إنه فقير ولا يجد ما يأكل ، قال فلْيتصدّق بوِسْقٍ من التمر ، فقالت : حتى هذا لا يقدر عليه ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم نتكفّل نحن بعذقٍ من التمر ، فقالت خولة وأنا أتكفّل بعذقٍ آخر ( هذا معنى الحديث ببعض الروايات وليس نص الحديث ، ولم أقف على درجة الرواية من الصحّة لأن الحكم ومضمون الحديث جاء في سورة المجادلة )

القصيدة 

جاءت تُجادلُ ، تشتكي ، تتظلّمُ=والمُصطفى يُصغي ولا يتكلّمُ

والكلُّ يبكي ، يُنصتون ولا يدٌ=تقوى على دفعِ المُصابِ ولا فمُ

هيَ في رحاب المصطفى مكلومةٌ=من زوجها ذاك الذي لا يرحمُ

قالتْ بأَبْلَغ ما تكون مقالةٌ :=أُمٌّ أنا بيدِ الأمومةِ آلَمُ

يا سيّد الكونين هل يرضيك أنْ=أشقى وزوجي مُسْعَدٌ مُتنَعِّمُ ؟!

أفنيتُ عمري في ظلال حقوقه=وكما أمَرْتَ ، بكلِّ حُبٍّ أخدُمُ

أبناؤه عَوْناً له أعدَدْتُهُم =ليرى بهم ما كان فيهم يحلُمُ

أرضَعْتُهم في البِرّ شَهْدَ فلاحِهم=بل شَهْدَ ما يرجو التقيُّ المُسلمُ

أحبَبْتُهُ فهو ابنُ عمّي وهو لي =عمّا تركتُ ببيتِ أهلي مَغْنَمُ

كنتُ الصبيّةَ في يديه وحوله=بل كنتُ ليلته التي لا تُظْلِمُ

حتى إذا مالعمرُ خلّفني على=أيّام عهد نضارتي أترحَّمُ

لا قيتُ من ( أَوْسِ ) ( الظِهارَ ) هديّةً=أُجْزى بها … واللهُ ربّي يعْلَمُ !!!

صمَتَ النبيُّ ، وصمتُه بابٌ إلى=أبواب علّام الغيوبِ ، وسُلَّمُ

مُسْتَنْجِداً بالوحي ، فهي قضيّةٌ=تحتاجُ رباً بالعدالة يحكُمُ

صمَتَ النبيُّ وعينُ ( خولةَ ) لا تَحيدُ=عن النبيّ ، وقلبُها يتضرّمُ

هيَ لا ترى بيدِ الطلاق حلولَها=فحُصونُ قَصْرِ حياتها لا تُهدمُ

هيَ تشتكي لتُعيدَ ( أَوْسَ ) لرُشْدِه=زوجاً يُكَرِّمُ مَنْ يعولَ ويُكْرَمُ

صَمتَ النبيُّ وفي السماء بشارةٌ=جعَلَتْ شفاهَ المُصطفى تتبسَّمُ

ولعلَّ ( خولةَ ) يومها وثبتْ إلى=أقدام سيدّها مُحَمّدَ تلثُمُ

ولسانُ قلب رجائها مُتَلَعْثمٌ=أكْرِمْ بخولة عندما تتلعثمُ

قُلْ يا نبيَّ الله … إنّ بداخلي=ثقةً بأنَّ ، إلٰهَنا لا يَظلِمُ

ماذا ببسمتك الجميلةِ ؟! هل أتى =وحيٌ به بيتي يُصانُ ويَسْلَمُ ؟!

ضحكَ النبي وقال : خولةَ أبْشِريْ=شكواك يرعاها الأعزُّ الأرحَمُ

يُفدىٰ الظهارُ ( بوِسْقِ ) تمرٍ فارجعي=للبيتِ أُمَّاً مِثْلُها لا يُهزُمُ 

قالت وربّكَ إنّ ( أوساً ) مُعْدَمٌ=و( الوِسْقُ ) لا يقوى عليه المُعْدَمُ !!!

ضحكَ النبي ، وقال : مِنا نصفُه=قالتْ : ومثلُ النصف مِنّي فاقْسِموا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين