ملامح سور القرآن الكريم: سورة الأنعام

سورة الأنعام سورة عوالم الخلق علويه وسفليه ناطقه وصامته حيه وميته في البر وفي البحر وفي السماء وفي الأرض، هو خلق الله وحده لا شريك له في خلقه وتدبيره، وهو الحجة البالغة على وحدانيته وعظمته وحكمته وقدرته، ثم الذين كفروا يشركون به ويتصرفون في هذا الخلق بغير ما أراد وبغير ما شرع وينسبون إليه الند والولد ويكفرون نعمه ويجحدون آياته ويكذبون رسله.

إن من انشرح صدره وتفتح عقله وزكت نفسه يرى هذا الآيات ويستدل بها على منشئها ويعتبر بها فينتفع بسمعه وبصره وفؤاده، كلما رأى آية من آياته تفكر وتدبر فوصل إلى الحق الملائم للفطرة التي فطر الله الناس عليها.

وأما من صم سمعه وسكَّر بصره وأعمى قلبه فلن تغني عنه الآيات ولو جاءته كل آية ولو أنزلت إليه الملائكة ولو كان كتاب الله قرطاسًا نازلا من السماء يلمس باليد، ذلك أن المنافذ مغلقة والبصيرة منطمسة والنفس مظلمة.

إبراهيم -عليه السلام- داعية التوحيد هو النموذج للإنسان المتفكر المستدلِّ بآيات الله على آلائه المتبرئ من كل شرك وشريك، المسلم وجهه لله، وله ذرية مباركة من الأنبياء والصديقين والصالحين، كما له سلف في نوح وإخوانه من الأنبياء وأتباعهم، وهم القدوة وذخيرة الإنسانية في تعرف الحق والخلُق وتهذيب النفس واستنارة العقل.

إن هذه العوالم التي خلقها الله كما أنها آيات هي نعم يجب أن ينتفع بها الإنسان كما أمر الله وشرع، ومن الظلم العظيم أن يتقرب بها إلى غيره أو يعبد شيئا منها شمسًا أو قمرًا أو شجرًا أو حجرًا أو بقرًا، فكل ذلك من خلق الله، وهو قد سخره للإنسان لينتفع به في حياته، وإذا ذبح ما يؤكل منه فباسم الله وتقربًا إليه لا إلى مخلوق آخر.

مَشاهد الخلق في السورة كثيرة ومنوعة وملونة أبدعتها يد القدرة وجعلتها كتابًا منظورًا، وقد أحاط بها علم الله فهو يعلم الورق والحب والرطب واليابس والحي والميت، من أول الخلق إلى يوم الحشر، وهو مكتوب في كتاب ومحصى في ديوان.

وفي جوار هذه المشاهد مشاهد القيامة حيث يواجه الناس بالحقائق التي عَمُوا عنها في دنياهم، وأُعطُوا المهلة الطويلة ليرجعوا عن غيهم ويستعدوا لآخرتهم ويتوبوا إلى ربهم.

سورة الأنعام سورة التوحيد المتوسَّل إليه بآيات الخلق وحجح الكون ودلائل الآفاق الهادية لمن شرح الله صدره للإسلام أن تكون صلاته ونسكه ومحياه ومماته لله رب العالمين لا شريك له.

وهذا التوحيد كما أنه مركوز في الفطرة الإنسانية تنزع إليه لو خليت ونفسها لم تجتلها شياطين الإنس والجن بالإغراء والإغواء، هو أيضًا تتفرع عنه وصايا من أصول الأخلاق والأحكام توارثتها الأنبياء طيلة مسيرة الإنسانية، في صلة الأرحام وحفظ النفس والنسل والمال، بها صلاح الحياة، حتى بلغت مسيرة النبوة أواخرها في رسالة موسى ومن بعده من أنبياء الله، ثم بلغت ختامها في رسالة محمد، عليهم الصلاة والسلام، فكان هذا الصراط المستقيم، في إسلام الوجه والنفس لله، وإخلاص العمل والنسك له، وهو ملة إبراهيم أبي الأنبياء ومحطم الأصنام ورافع قواعد البيت.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين