حَمَلة التوابل وتجار الأفيون.. هل يستوون؟!

سنكون في هذا المقال أمام اكتشاف جديد من اكتشافات الترحال لتبيان الدلائل الواضحة لما يمارسه الغرب من أكاذيب ضد الحضارة والتاريخ الإسلامي.

المكان: سنغافورة الدولة الصغيرة والمعجزة الاقتصادية في جنوب شرق آسيا، وبالتحديد في جزيرة "سينتوزا" أحد المعجزات السنغافورية؛ فقد تم تحويل الجزيرة التي كانت عبارة عن أحراش تتناثر فيها أكواخ متهالكة للصيادين منذ بضع سنوات، إلى واحدة من أكبر مدن الألعاب التي يزورها الملايين سنويا من مختلف أنحاء العالم؛ فالجزيرة بكاملها عبارة عن مجموعة من المنتجعات والألعاب الترفيهية التي تناسب كل الأعمار، والتي يلزم الاستمتاع بكل ألعابها وقتا يستغرق ثلاثة أيام على الأقل.

المشهد الأول: معرض في مدخل مدينة الأحياء المائية، يتصدره مجسم لجمل بالحجم الطبيعي يعتليه رجل بالزي العربي القديم، وبجواره شاشة عرض تعرض طريق الحرير وتاريخه وقوافل التجارة العابرة له من الشرق الإسلامي إلى الشرق الآسيوي، وعلى الطرف الآخر من الصالة نماذج بديعة مما كان ينقله العرب إلى تلك البلاد عبر التجارة ومنها: التوابل واللبان العماني، والقهوة العربية، والسجاد والمفروشات الشرقية بأنواعها، والملابس والحرير، والأواني الفخارية والزجاجية والخزفية، الأسلحة المزينة ومنها الخنجر العماني الشهير.

المشهد الثاني: من المتحف الوطني بسنغافورة، يصور المشهد أثر تجارة الأفيون برعاية المحتل الإنجليزي على أهل البلاد.

مجموعة من الصور يظهر بها أناس بائسون أشبه بالهياكل العظمية يتكئون بصورة توحي بالكسل والعجز والخور وهم يدخنون الأفيون عبر أنبوب طويل، وبجوار هذه الصور لوحة معبرة عن تلك المأساة مكتوب تحتها:

"في بداية القرن العشرين وأثناء الاحتلال البريطاني كان في سنغافورة 550 محلا مرخصا لتجارة وشرب الأفيون"، ثم يضيف المؤرخ "Carl Trocki": بغير تجارة الأفيون ربما لم توجد الإمبراطورية البريطانية، حيث شكلت تجارة الأفيون ما نسبته (40-60%) من دخل الحكومة الاستعمارية، ومثلت تجارته عماد السيطرة التجارية حيث استغل تجار الأفيون ثروتهم من بيع الأفيون في الاستثمار في البنوك والتأمين والبواخر".

وبما أن المأساة بدأت من الصين فقد تتبعتُها في منبعها في رحلتي إلى الصين من داخل متحف (Shanghai History Museum) بمدينة شنغهاي؛ حيث تم عمل مجسمات تصور مشهد الدكاكين التي كانت منتشرة في المدينة، والتي كانت مخصصة لجلسات جماعية لتدخين الأفيون، ومكتوب بجوارها: "بعد حرب الأفيون التي مارستها الدول الاستعمارية ضد الصين انتشرت آلاف من أوكار تدخين الأفيون في شنغهاي، وأصبح العديد منها يشكل الوجه الكئيب للمدينة في ذلك العصر".

أمامنا مشهدان يستحيل اختلاف وجهات النظر بشأنهما؛ مشهد تبادل منافع تجارية وثقافية بين الشرق الإسلامي والشرق الآسيوي، ومشهد للإفساد والاستغلال قادم من الغرب.

وصدقية المشهدين تنبع من كون هذه الدولة لا يُنتَظَر منها أن تجامل المسلمين على حساب المحتل السابق الذي ما زالت تحمل له الولاء وتتخذ لغته الإنجليزية لغة رسمية لها.

مع العلم بأن سنغافورة كان سكانها مسلمين يحكمهم سلطان مسلم حتى بداية القرن التاسع عشر، وعمل الاحتلال الإنجليزي على تشجيع الهجرات الصينية حتى تحول المسلمون فيها إلى أقلية لا تتجاوز 20%، مقابل أغلبية صينية.

يتجلى من خلف المشهدين مشهد الخطاب الأوروبي الذي يدعي انتشار الإسلام بالسيف واقتران الإرهاب بالإسلام.. ومشهد أدعياء العلم من بني أوطاننا المتخصصين في التقاط الصفحات الحمراء بلون الدم والسوداء بلون القهر من تاريخنا، وصبغ تاريخنا كله بها، وترسيخ احتقار الذات أمام تعظيم الغرب.

ولكن تبقى الآثار أصدق أنباءً من الكتب، وتبقى البينة أقوى من الادعاء.. ويبقى السؤال المفحِم:

هل يستوي من يحمل الخير مع من يفرض حرب الأفيون؟

مالكم كيف تحكمون؟!

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين