نفسيات كشف غطاءها القرآن (1)

- 1 -

ها هي ذي آيات كريمة تصل بنا إلى أغوار النفس البشرية وتُلقي الضوء على أبعادها، فتكشف أقطارها: نفوس يحاط بها، فتفرّ إلى الملجأ وتفزع إلى الملاذ... ثم إذا تبدد ما ران عليها نفضت عنها ثوب الخشوع.. وتنكرت وتنمّرت!.

ونفوس لا تفتر ولا تملّ من طلب السَّعة، ودوام النعم، وامتداد أسباب الخير... وإذا ما مسّها شر أو ضُرّ ارتدت إلى دياجير الظلام، وآضت إلى أغوار اليأس وضباب القنوط... ونفوس غير هذي وتلك، نفوس مشرقة نيّرة مع الله في كل آن... دعاء وشكر في النعمة والنقمة.. عند المنح وعند المنع، لم يلوث صفاء قلوبهم حرمان، ولم يبطرهم كبير عطاء.

يصور القرآن العظيم كل هذه الحالات النفسية، وينير لنا جوانبها ويبيّن دخائلها فيقول: (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ. فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ...). {سورة يونس: 22، 23}.

سفينة تسري وتجري، تدفعها ريح طيبة تبعث البهجة والفرح في النفوس، وسرعان ما تلبّد الجو واكفهرّ، وغضبت السماء وأظلمت الدنيا، وعَوت الرياح، واهتزّت السفينة في أيدي الأمواج التي أحدقت بها من كل مكان، وتبيّن لركاب السفينة نهايتهم، ولاحت لهم الخاتمة، ففزعوا إلى الله داعين إياه مخلصين له الدين؛ إذ لا ملجأ منه إلا إليه، وتضرعوا إليه بكيانهم وعاهدوه قائلين: لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين.. وحقق لهم ربهم رجاءهم ودعاءهم فأنجاهم.. وما أن وطئت أقدامهم الأرض وأحسوا الأمان حتى عادوا سيرتهم الأولى ورجعوا إلى ما كانوا عليه ولم يفوا بالعهد ولم يقوموا بالشكر، بل بغَوا وطغَوا وأفسدوا وجاروا...

المصدر: مختصر [مجلة الأمة، العدد 45، في رمضان 1404هـ = حزيران 1984م]

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين