قصص من تاريخ طرابلس

 

حمارة الإنجا

عام 1930م ، نشرت صحيفة (المضحك المبكي) الشامية الهزلية في عددها ال 59 مقالا بعنوان (أشهر حمير بلاد الشام). جاء فيه ذكر حمارة طرابلسية مشهورة في ذاكرتنا الشعبية، اسمها (حمارة الإنجا). تقول المقالة:

«في قديم الزمان كان في مدينة طرابلس مفوض شرطة يدعى حسن أفندي الإنجا، وهذا الرجل؛ مع أنه مفوض شرطة بسيط؛ لكن نفوذه في حكومة طرابلس كان أكبر من نفوذ الوالي، والسبب لأنه كان قريب الشيخ أبي الهدى أفندي الشهير [الشيخ أبو الهدى الصيادي المتوفى سنة (1909م] الذي كان مقربا جدا من السلطان عبد الحميد خان الثاني.

فالكلمة التي يقولها حسن أفندي تنفذ فورا، والمسألة التي يتدخل فيها كانت تحل لساعتها، والمكتوب الذي يرسله لأحد المأمورين في الحكومة بتوصية بزيد أو بعمرو كان ينفذ فورًا.

وكان لحسن أفندي حمارة بيضاء اشتهرت في طرابلس، وكل الناس يعرفونها ويشيرون إليها بالبنان!

وفي يوم من الأيام قصد حسنَ أفندي مسكينٌ محتاجٌ يطلب وظيفة في الحكومة.. فشفق عليه وكتب له رسالة إلى المتصرف، ولكن هذا الشخص لم يقتنع بهذه الرسالة فترجى حسن أفندي أن يتكلم مع المتصرف بشأنه.. فلم يرض حسن أفندي بالتحدث مع المتصرف وأشار إلى الرجل بأن يأخذ حمارته ويراجع المتصرف، والمتصرف حين يرى الحمارة يعرف أنك من قِبَلي. 

وبالفعل ذهب الرجل راكبًا على حمارة حسن أفندي، وعند مدخل المتصرفية شاهده الحرس، فقالوا له: ماذا تريد؟ فطلب مقابلة المتصرف، وذهب الحرس إلى المتصرف مسرعًا، وقال له: هنالك رجل يريد مقابلتك وهو يركب حمارة حسن أفندي، فأشار إليه بإدخال الرجل فورًا.. وقضى حاجته». هكذا جاء الخبر.

 

مدرسة الدُبَّها ومقابر السادة النقشبندية:

وفي الأسواق الداخلية لطرابلس التاريخية، والتي تعتبر أهم وأكبر متحف مملوكي حي بعد القاهرة، توجد مدرسة تاريخية تعرف عند العامة بمدرسة الدبَّها، نسبة إلى الشيخ عبد الله الدبَّها الذي أنشأها عام سنة 1234ه / 1819م، كما هو مثبت على باب المدرسة الخارجي. وبجانب المدرسة من الجهة الشرقية مقبرة تاريخية تعرف بحسب دفاتر الأرشيف العثماني (بوقف التربة الأرزَنية)، نسبة إلى منشئها بهاء الدين إبراهيم بن الأرزَني، الذي استقر كاتبا للدَرْج بعد فتح المدينة وإخراج الفرنج منها عام 688ه/ 1289م، والأرزَني نسبة إلى ولاية الأرزَن الرومية التي تعرف بأرضروم، وهذه المقبرة هي أقدم مقبرة مملوكية تعرف في طرابلس، وتضم قبورا لشيوخ الطريقة النقشبندية. وذكر غب وقفيتها أن بقربها مسجد.

ومما يؤكد وجودها قبل تحويلها إلى مدرسة في مطلع القرن التاسع عشر، أنه أثناء الترميم الأخير للمسجد؛ في سنة 1988؛ والذي كان لي شرف الإشراف عليه، اكتُشِفَتْ لوحة حجرية على جدار المسجد الخارجي نُقش عليها العبارة الآتية: 

(الحمد لله. لما كان شهر رجب الفرد الحرام سنة 1163ه (1750م) نقض بنيان هذا المسجد الشريف وجدد إقامته لوجه الله فخر التجار أحمد بروانه). 

اللوحة الحجرية المكتشفة على الحائط الشمالي للمسجد

وبعد الترميم عُرفت في سجلات الأوقاف بالمدرسة البرَوانية، حتى حولها الشيخ عبد الله الدبها إلى مدرسة فنسبت إليه، وأوقف عليها أوقافا حسنة، على ما ذكره الأستاذ محمد كرد علي في خطط الشام، المجلد السادس، عند الكلام عن مدارس طرابلس الشام. والحقيقة أن الشيخ عبد الله الدبَّها إنما بنى البوابة الخارجية فقط، وحول المسجد إلى مدرسة.

البوابة الخارجية التي أنشأها الشيخ عبد الله الدبها وفوقها تاريخ إنشائها سنة 1234ه

وفي هذه المقبرة، قبر العلامة الكبير الشيخ أحمد بن سليمان الأروادي الحنفي المتوفى سنة 1275ه / 1858م ، كما يوجد فيها قبر يضم شخصين من آل الإنجا، هما السيد محمد آغا الإنجا، متوفى سنة 1294ه‍ / 1878م بحسب ما هو مدون على جانب القبر، ومعه مصطفى باشا الإنجا، متوفى سنة 1929م. رحمهما الله.

ولا أدري إن كان حسن أفندي مدفون معهم ، حيث إنني لم أهتد لشيء عن حياته ، وكونه كان قريبا للشيخ أبي الهدى الصيادي، فهذا يعني أنه كان على شرطة طرابلس زمن السلطان عبد الحميد. ولكن لا شك بأن هؤلاء من أهله وقرابته.

وتبقى قصة حمار الإنجا من القصص المشهورة عندنا في تاريخ طرابلس الشعبي، وتتكلم الحكايات أن أية مشكلة أو حادثة تقع ترسَل إليها حمارة الإنجا تنتهي في الحال، وحتى اليوم الناس تقول: ماتت حمارة الإنجا فخرجت طرابلس في جنازتها، ولما مات الإنجا لم يخرج أحد في جنازته. حتى صارت قصته مضرب مثل. وقد نظم فيها الشاعر الطرابلسي الشيخ خليل سليمان حيدرية قصيدة بديعة عنوانها (حمار الباشا).

منظر عام للمقبرة الأرزَنية المملوكية التاريخية وتظهر فيها مقابر السادة النقشبندية

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين