مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (67)

(وَإِذۡ قَتَلۡتُمۡ نَفۡسٗا فَٱدَّٰرَٰٔتُمۡ فِيهَاۖ وَٱللَّهُ مُخۡرِجٞ مَّا كُنتُمۡ تَكۡتُمُونَ٧٢ فَقُلۡنَا ٱضۡرِبُوهُ بِبَعۡضِهَاۚ كَذَٰلِكَ يُحۡيِ ٱللَّهُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَيُرِيكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ٧٣ ﱠ [البقرة: 72-73]

السؤال الأول:

قوله تعالى في هذه الآية: (وَإِذۡ قَتَلۡتُمۡ نَفۡسٗا) [البقرة:72] جاء بعد الأمر بذبح البقرة في الآية 67، فما فائدة تقديم الذبح في البيان؟ وما دلالة هاتين الآيتين بشكل عام؟

الجواب:

بشكل عام آيات البقرة هي في بيان النعم على بني إسرائيل، فناسب تقديم ذكر النعمة على ذكر الذنب. وجاء قوله تعالى: (وَٱللَّهُ مُخۡرِجٞ مَّا كُنتُمۡ تَكۡتُمُونَ) [البقرة:72] بالصيغة الاسمية (مخرج ) لتدل أنه لا بدّ وأن يفعل ذلك , وأنه تعالى عالم بجميع المعلومات وإلا لما قدر على إظهار ما كتموه.

من جهة أخرى , قوله تعالى: (فَقُلۡنَا ٱضۡرِبُوهُ بِبَعۡضِهَاۚ) [البقرة:73] من المفيد أن نذكر هنا أنّ الله قادر على إحياء الميت دون ضربه ببعض البقرة , لكنّ الله تعالى اقتضت حكمته ترتيب الأشياء على أسبابها , ولجبر اليتيم صاحب البقرة بما حصل له من ثمنها , إضافة إلى بيان قدرة الله على إحياء الموتى أمام بني إسرائيل (لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ٧٣) [البقرة:73] أي: حتى تتفكروا بعقولكم , فتمتنعوا عن معاصيه. والله أعلم.

والله أعلم.

السؤال الثاني:

ما معنى قوله تعالى في هذه الآية: (فَٱدَّٰرَٰٔتُمۡ فِيهَاۖ) ؟

الجواب:

أي تدافعتم لأنّ المتخاصمين يدرأ بعضهم بعضاَ أي يدفعه , والمعنى: اتهم بعضكم بعضاً وتدافعتم لطمس معالم الجريمة ودرء الشبهة.والله أعلم.

****

{ ثُمَّ قَسَتۡ قُلُوبُكُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَٱلۡحِجَارَةِ أَوۡ أَشَدُّ قَسۡوَةٗۚ وَإِنَّ مِنَ ٱلۡحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنۡهُ ٱلۡأَنۡهَٰرُۚ وَإِنَّ مِنۡهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخۡرُجُ مِنۡهُ ٱلۡمَآءُۚ وَإِنَّ مِنۡهَا لَمَا يَهۡبِطُ مِنۡ خَشۡيَةِ ٱللَّهِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ}[البقرة: 74]

السؤال الأول:

تكرر الضمير ( منها ) و ( منه ) في الآية مرتين لكل منهما , إلى أين تعود هذه الضمائر؟وما إعراب قوله: (وَإِنَّ مِنَ ٱلۡحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنۡهُ ٱلۡأَنۡهَٰرُۚ)؟ 

الجواب:

الضمير ( منها ) في الموضعين يعودان إلى كلمة:(الحِجَارة) و ( مِن ) هنا للتبعيض , أي: من بعض الحجارة , بينما يعود الضمير ( منه ) في قوله تعالى: ( يَتَفَجَّرُ مِنۡهُ ٱلۡأَنۡهَٰرُۚ) إلى مكان التفجّر, وهو التفتح بسعة وكثرة , ويعود في قوله تعالى: ( لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخۡرُجُ مِنۡهُ ٱلۡمَآءُۚ) إلى مكان التشقق أو التصدع الذي يخرج الماء منه , وهو دون النهر.

وأمّا الإعراب فهو كالتالي:

وإنّ: الواو حرف إستئناف , و ( إنّ) حرف توكيد ونصب.

من الحجارة: جار ومجرور , وشبه الجملة في محل رفع خبر إنّ مقدم.

لما: اللام للتوكيد , و ( ما ) إسم موصول مبني على السكون في محل نصب إسم ( إنّ).

يتفجّر: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة.

منه: جار ومجرور.

الأنهارُ: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة , والجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.

والله أعلم.

السؤال الثاني:

ما دلالة حكم الإظهار في التلاوة في قوله تعالى في الآية: (وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ)؟ 

الجواب:

وردت جملة: (وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ) ست مرات في القرآن الكريم في الآيات: [ البقرة 74 ـ 85 ـ 140 ـ144 ـ 149 ـ آل عمران 99] ووردت جملة: (وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا يَعۡمَلُونَ) ثلاث مرات في القرآن الكريم في الآيات: [ الأنعام 132 ـ هود 123 ـ النمل 93 ] , ونلاحظ وجود إظهار بين كلمتي  (بِغَٰفِلٍ عَمَّا) وبذلك لا توجد غنة وإنما نون ظاهرة توحي بقطعية هذا الخبر , وأنّ الله ليس بغافل عما تعملون ولو للحظة واحدة. 

أمّا في حالة نسبة (الغفلة) إلى البشر فقد وردت في القرآن , وبعدها كلمات لا تبدأ بحروف الحلق , كما في قوله تعالى:

(وَهُمۡ فِي غَفۡلَةٖ وَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ٣٩) [مريم:39]. 

(وَهُمۡ فِي غَفۡلَةٖ مُّعۡرِضُونَ) [الأنبياء:1]. 

(يَٰوَيۡلَنَا قَدۡ كُنَّا فِي غَفۡلَةٖ مِّنۡ هَٰذَا) [الأنبياء:97]. 

(وَدَخَلَ ٱلۡمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفۡلَةٖ مِّنۡ أَهۡلِهَا) [القصص:15]. 

(لَّقَدۡ كُنتَ فِي غَفۡلَةٖ مِّنۡ هَٰذَا فَكَشَفۡنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلۡيَوۡمَ حَدِيدٞ) [ق:22]. 

أي توجد غنة حسب أحكام علم التجويد في: (غَفۡلَةٖ وَهُمۡ) (غَفۡلَةٖ مُّعۡرِضُونَ ) (غَفۡلَةٖ مِّنۡ) , أي أنّ البشر غافلون لمدة طويلة , وليس لمدة قصيرة فقط.

وهذا من لطائف معاني أحكام التجويد. والله أعلم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين