تقريب الظلال: سورة الصف

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فهذا تقريب سورة الصف من تفسير: (في ظلال القرآن) لسيد قطب.

تقرر هذه السورة في ضمير المسلم أنَّ دين الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو المنهج الإلهي في صورته الأخيرة في الأرض، وأنَّ هذا المنهج قد مرَّ بمراحل ومحطات من حياة الأمم، كانت كل محطة منه تناسب عمر البشرية، ونضوجها العقلي، ولقد طالعتنا سورة الصف على محطتين من تلك المحطات، أولى المحطتين محطةٌ انتُزع فيها هذا المنهج الرباني من الأمة التي اؤتمنت عليه؛ إذ لم تقم به، بل آذت نبيها موسى عليه السلام، وزاغت عن منهج ربها؛ فأزاغ الله قلوبها، وثانيهما محطةٌ حملت راية المنهج، وقامت به، حتى آل بعدُ في صورته الأخيرة إلى نبيّ آخر الزمان، محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأمته.

وتقرر السورة في خلد المسلم أنَّ أمانة العقيدة في البشرية كلها موكولة إليه، وأن شعوره بهذه الحقيقة، وإدراكه لقصة العقيدة؛ لا بد أن يدفعه لصدق النية في الجهاد لإظهار هذا المنهج في الأرض على الدين كله، وألا يتردد بين القول والفعل، فيقبح أن يعلن المؤمن الرغبة في الجهاد ثم ينكص عنه، كما حدث مع فريق من المسلمين ممن طالعتنا عليهم هذه السورة، وما ذكرته بعض الرويات، كما سيأتي.

مطلع السورة الأول يطالعنا -بعد إعلان تسبيح الكون كله لله- على حال فئة من المسلمين، دفعهم حماسهم وحبهم للإسلام أن يسألوا عن أحب الأعمال إلى الله تعالى؛ فلـمَّا عرفوها، ونزل بها قرآنٌ؛ ضعفوا عن القيام بها ونكلوا، فجاء مطلع السورة يعاتبهم أشدَّ العتاب، ويبيِّن لهم -وللأجيال من بعدهم- أن الله تعالى يمقت أشدَّ المقت، ويستفظع من الذين آمنوا أن يقولوا ما لا يفعلون: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)﴾ وقد روى الترمذي عن عبد الله بن سلام t في سبب نزول هذه الآيات أنه قال: "قعدنا نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتذاكرنا، فقلنا: لو نعلم أي الأعمال أحبُّ إلى الله لعملناه، فأنزل الله تعالى: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2)﴾ فقرأها علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم".

إن السمة الأبرز في شخصية المسلم، التي دقَّ عليها القرآن كثيرًا، وأكدتها السنة بالتكرار هي: الصدقُ والاستقامةُ، ولا ينبغي لمن جعلهم الله أمناء على منهجه الأخير في الأرض أن يخالف باطنُهم ظاهرَهم، وقولُهم فعلَهم، إذ يقبح بالمؤمن أن يعلن الرغبة في الجهاد ثم ينكص عنه، كما حدث مع فريق من المسلمين، ولعلَّ أدقَّ التوجيهاتِ النبوية وألطفَها في تقرير هذه السمة؛ ما رواه الإمامُ أحمد عن عبد الله بن عامر رحمه الله، أنه قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بيتنا وأنا صبي، قال: فذهبتُ أخرج لألعب، فقالت أمي: يا عبد الله تعال أعطك، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «وما أردت أن تعطيه؟» قالت: أعطيه تمراً، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أما إنك لو لم تفعلي كتبت عليكِ كذبة»(1) . 

إنَّ حال أولئك المسلمين الذين سألوا عن أحب الأعمال إلى الله تعالى وقت حماسهم واندفاعهم، ثم نكلوا عنها وقت رخائهم وضعفهم؛ إن ذلكم الحال يطالعنا على حالات الضعف الطارئة، التي تلمُّ بالنفوس، وتلهمنا أنه لا يعصم النفس من ذلكم الضعف والكسل إلا عونُ الله تعالى ومددُه، ثم دوامُ تذكير النفس وتوجيهها، وتعاهدها بالتقوية والتثبيت، وهي تواجه التكاليف الشاقة؛ لتستقيمَ في طريقها، وتتغلبَ على لحظات ضعفها، وتتطلعَ دائمًا إلى الأفق البعيد، كما أنَّ ذلكم الحال الذي اعترى تلك الفئة من المسلمين؛ يلهمنا أخرى أن نتواضع في طلب التكاليف وتمنيها حالةَ العافية، فلعلَّنا لا نقوى على ما نقترح على الله تعالى أن يكلفنا إياه! وهذا منهج تربوي في الحياة كلها، فهؤلاء القوم سألوا، ثم ضعفوا ونكلوا؛ فعاتبهم الله أشدَّ العتاب.

ثم تغرينا تلك الآيات بأحب الأعمال إلى الله تعالى إذ تقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾، وهذه الآيات تتعدى بمعانيها الحادثَ المحدود الذي نزلت لأجله، ذلك أنَّ الإسلام يواجه بمنهجه الأخير في الأرض البشريةَ كلَّها، وهو يكلف النفوس جهدًا لتسموَ إلى مستواه، وثمَّت قوىً في الأرض لا تحب لهذا المنهج أن يستقر؛ لأنه يسلبها كثيرًا من الامتيازات، التي تستند إلى قيم باطلة زائفة، جاء المنهج الأخير ليحاربها، ويقضي عليها حين يستقر في الأرض؛ ومن ثمَّ يتعين على حملة الإيمان، وحراس المنهج أن يكونوا أقوياء؛ ليغلبوا عملاء الشر، وأعوان الشيطان، أقوياء في أخلاقهم، وأقوياء في قتال خصومهم على السواء، ويتعين عليهم أن يقاتلوا عندما يصبح القتال هو الأداة الوحيدة لضمان حرية الدعوة للمنهج الجديد، وحرية الاعتقاد به، وحرية العمل وفق نظامه المرسوم، يقاتلون في سبيل الله، كما يحبُّ الله: ﴿صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾، وذلك للمسلم تكليف فردي؛ لكنه تكليف ضمن جماعة منظمة، تقاتل عدوَّها صفَّاً سويَّاً منتظمَاً، وصفَّاً متينَاً راسخَاً، وهذه العبارة ﴿صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾، ترسم لنا طبيعة ديننا، وتكشف لنا عن طبيعة التضامن الوثيق، الذي يريده الله تعالى للمجتمع المسلم، بنيانٌ تتعاون لبناتُه وتتماسك، وتؤدي كل لبنة دورها، وتسد ثغرتها؛ لأن البنيان كله ينهار؛ إذا ما تخلت منه لبنة عن مكانها، وذلك حال المسلم الفرد المنعزل، الذي يعبد وحده، ويجاهد وحده، ويعيش وحده، إنها صورة بعيدة عن طبيعة هذا الدين، وعن مقتضياته في حالة الجهاد، وفي حالة الهيمنة بعد ذلك على الحياة.

ثم تأتي الآيات وتذكر قصة المنهج ومراحله في الرسالات قبل الإسلام؛ فتقول: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5)﴾ يعاتبهم موسى عليه السلام في مودة ولطف على إيذائهم المستمر له، وهم الذين يعلمون يقينًا أنه رسول من عند الله، ولـمَّا كثر إيذاؤهم له؛ أزاغ الله قلوبهم، فلم تعُد صالحة للهدى؛ وانتهت بذلك قوامتُهم على دين الله ومنهجه في الأرض، ولقد طالعنا القرآن على صور شتى من ذلكم الإيذاء، فبينما موسى عليه السلام يحاول مع فرعون إنقاذهم، ويتعرض لبطش فرعون وجبروته، وهم آمنون بذلتهم؛ إذ بهم يقولون له متبرمين: ﴿أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا﴾ كأنما يحملونه تبعة هذا الأذى الأخير، وما كاد ينقذهم من ذل فرعون، ويغرقه الله وهم ينظرون؛ حتى قالوا: ﴿يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ﴾، وما كاد يذهب لميقات ربه؛ حتى أضلهم السامري: ﴿فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا: هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ﴾، ثم جعلوا يتسخطون على طعامهم في الصحراء؛ فقالوا: ﴿يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها﴾ ولـمَّا أمرهم بذبح البقرة ظلوا يماحكون ويتعللون ويسيئون الأدب، ويقولون: ﴿ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ﴾، ﴿ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها﴾، ﴿ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا﴾، وفي النهاية: ﴿فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ﴾ إلى غير ذلك من إعنات موسى بالأسئلة والاقتراحات، والعصيان والتمرد، والاتهام الشخصي بالباطل كما جاء في بعض الأحاديث، ولـمَّا بذلت لهم كلُّ أسباب الاستقامة ولم يهتدوا؛ أزاغ الله قلوبهم، وكتب عليهم الضلال أبداً، ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾.

ثم جاء عيسى بن مريم عليه السلام يقول: ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ وهذه الآية تصور ترابط حلقات الرسالة الواحدة، التي يسلم بعضها إلى بعض، وهي متماسكة في حقيقتها، واحدة في اتجاهها، ممتدة من السماء إلى الأرض، حلقة بعد حلقة في السلسلة الطويلة المتصلة، فرسالة عيسى عليه السلام امتداد لرسالة موسى عليه السلام، وهو مبشرٌ بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، وهذه الآية هي الفيصل والقول الأخير فيما اضطربت فيه الروايات، بشأن بشارة عيسى عليه السلام، بنبوءة محمد صلى الله عليه وآله وسلم؛ ولـمَّا جاءهم محمد بالبيِّنات قالت بنو إسرائيل: ﴿هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾، وناصبوه العداء، وأخذوا يكيدون لدعوته، وما يزالون، محاولين بذلك إطفاء نور الله بأفواههم.

ولقد طالعتنا كتب السير على صور كثيرة من ذلكم العداء والتضليل، فذكرت لنا محاربة اليهود للإسلام بمحاولة الإيقاع بين المهاجرين والأنصار تارة، وبين الأوس والخزرج أخرى، والتآمر مع المنافقين مرة، ومع المشركين ثانية، وبث الإشاعات في فتنة عثمان رضي الله عنه على يد ابن سبأ، وبث الأكاذيب والإسرائيليات في كتب الحديث والسيرة والتفسير؛ حين عجزوا عن الوضع في القرآن الكريم، واستمرت الحرب؛ فحاربته في المشرق، وفي الأندلس، وفي المغرب، وفي دار الخلافة العثمانية؛ حتى مزقت جسد (الرجل المريض)، ولم تضع تلك الحرب أوزارها بعد؛ وما تزال الصهيونية العالمية والصليبية العالمية تؤلبان على الإسلام، من غير وناة، ولا هدنة ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ وصدق الله وعده؛ فأتم نوره في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأقام المجتمع المسلم، الذي تمثل فيه منهج الله في صورته الأخيرة في الأرض، ثم صدق الله وعده لأصحاب رسوله؛ فأتم عليهم نعمته، ورضي لهم الإسلام ديناً؛ فساحوا في الأرض ينشرون المنهج الأخير في أرجائها، وما تزال هذه الحقيقة تنبعث بين الحين والحين، وتنبض وتنتفض قائمة؛ رغم كل ما جرد على الإسلام من حرب وكيد؛ ذلك أن نور الله لا يمكن أن تطفئه الأفواه؛ وإن خُيِّل للطغاة الجبارين أنهم بالغوا هذا الهدف البعيد، لقد جرى قدر الله أن يظهر هذا الدين، فكان من الحتم أن يكون: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾.

لقد كانت تلك الآيات وما تزال حافزًا للمؤمنين على حمل أمانة المنهج، الذي لم يرْعَه اليهود ولا النصارى في الأرض، وبعدها جاء الهتاف القرآني لحملة ذلكم المنهج؛ جاء يهتف بهم إلى أربح تجارة في الدنيا والآخرة، تجارة الإيمان بالمنهج الأخير، والجهاد في سبيل إظهاره في الأرض؛ فيقول: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)﴾ تكرار وتنوع في عرض موضوع السورة الرئيس؛ لأن الله خالق النفوس يعلم حاجتها إلى هذا التكرار، وهذا التنوع؛ لتنهض بهذا التكليف الشاق، الذي لا مفرَّ منه لإقامة هذا المنهج، وحراسته في الأرض، يدعوها لتعطي الدنيا، وتأخذ الآخرة، تأخذ الجنة! وإنَّ الله الذي يعلم أن النفوس تتعلق بشيء قريب في هذه الأرض، يناسب تركيبها البشري المحدود؛ هتف بها أخرى فقال: ﴿وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13)﴾ وفي هذا تبلغُ الصفقة ذروةَ الربح، فالجنة ونعيمها في الآخرة، والنصر والظفر في الدنيا، وإنَّ الخاسر هو الذي يدله الله على هذه التجارة، ثم يتقاعس عنها أو يحيد.

لقد طالعتنا السورة في بدايتها على حال من سألوا وقت حماسهم واندفاعهم عن أحب الأعمال إلى الله تعالى، ثم نكصوا عن أدائها وضعفوا؛ فعاتبهم الله أشدَّ العتاب؛ وهنا في آخر السورة؛ يحتاط الله تعالى لحملة المنهج الجديد أن تضعف نفوسهم، أو يهبط اندفاعهم؛ أو يكلَّ جهدهم؛ فيختم السورة بنداء يستنهض به همة المؤمنين بالدين الجديد، الأمناء على منهج الله في الأرض، ورثة العقيدة والرسالة الإلهية؛ يستنهض همتم لنصرة الله، ونصرة دينه فيقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14)﴾، يقول لهم: انتدب عيسى عليه السلام الحواريين ليكونوا أنصار الله لوقت مؤقت محدود؛ فقالوا: ﴿نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ﴾، وما أجدر أتباع محمد صلى الله عليه وآله وسلم أن ينتدبوا لهذا الأمر الدائم، ويكونوا أنصار الله تعالى.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين