الرسالة وَصلَت من أمّنا الطبيعة

نقلا عن جريدة "الخليج" الإماراتية"

 

3،5 مليون طفل عُرضة إلى أوبئة مميتة، 20 مليون مُهجّر في حاجة عاجلة إلى الطعام والماء والأدوية والمنازل، وثاني أكبر بلد إسلامي في العالم مُهدد بانفجارات سياسية اجتماعية تقذفه (مع قنابله النووية) إلى أحضان المتطرفين الأصوليين .
هذه الصورة تكشّفت بعد الفيضانات التي ضربت باكستان، وخلّفت وراءها ما أسماه بان كي- مون أسوأ كارثة طبييعة في التاريخ الحديث .
 
وعلى رغم ذلك، لاتزال المساعدات الإسلامية والدولية تصل بالقطّارة إلى المناطق المنكوبة في باكستان التي تفوق مساحتها مجمل مساحة إيطاليا . فمن أصل 460 مليون دولار طلبتها الأمم المتحدة على نحو عاجل، لم يصل حتى الآن سوى ثلث هذا المبلغ، وهو ما يقل بكثير عن المساعدات التي حظيت بها هاييتي (بطلب أمريكي) حين ضربها الزلزال أخيراً .
 
وفي هذه الأثناء، لا تزال مياه الفيضانات تغمر 17 مليون هكتار من أكثر الأراضي خصوبة في باكستان التي يعتمد اقتصادها بشكل أساسي على الزراعة ومحاصيل القطن، لتدوير عجلة صناعتها النسيجية الشهيرة . كما أن مياه الأمطار الغزيرة قتلت 200 ألف رأس ماشية، ومسحت من الوجود كميات ضخمة من السلع الغذائية المُخزنة التي تطعم الجزء الأكبر من ال170 مليون باكستاني .
 
الكارثة السياسية قد لا تتأخر عن اللحاق بشقيقتها
الطبيعية، بعد أن تواترت الأنباء عن أن المنظمات الأصولية المتطرفة تستعد للإفادة من الغضب الشعبي الكاسح على التقصير الحكومي، لمحاولة الاستيلاء على السلطة .
بالطبع، لا أحد على وشك الدفاع عن حكومة غطست حتى أذنيها في الفساد وعجزت عن إقناع الباكستانيين بأنها تضعهم على الصراط التنموي المستقيم، لكن الحقيقة والتاريخ يفرضان الاعتراف بأن حجم الكارثة يفوق قدرة أي حكومة وأي دولة على التصدي لها .
 
وهذا ينطبق على الحكومات الأخرى التي تعرّضت هذا الصيف إلى كوارث طبيعية، كروسيا التي وقفت عاجزة هي الأخرى عن التصدي ل500 حريق التهم معظم غاباتها وأراضيها الخصبة في وسط البلاد . وهذا عرّض إلى السخرية الشعبية كلاً من ميدفيديف وبوتين اللذين كانا “يُبشِّران” بأن تغيّر المناخ سيكون نعمة لروسيا لأنه سيذيب ثلوج مقاطعة سيبيريا ويجعلها صالحة للزراعة .
 
لقد جاءت فيضانات باكستان وحرائق روسيا بمثابة تذكرة فاقعة بأن الاحتباس الحراري في الكوكب حقيقة واقعة تحدث الآن وليس في مستقبل مجهول . فحين ترتفع درجة حرارة الأرض 0،8 في المئة، كما يحدث الآن، يؤدي ذلك إلى بروز ظواهر مناخية غاية في التطرف: الأمطار الموسمية العادية تتحوّل إلى فيضانات جامحة، والجفاف إلى حرائق مُدمّرة، وقيظ الصيف العادي إلى حرّ لايُحتمل . فما بالك إذا ما علت حرارة الكوكب درجتين أو ثلاثاً؟
 
لا أحد بالتأكيد يريد التفكير، مجرد التفكير، بذلك .
بيد أن أحداث هذا الصيف التي يجب أن نضم إليها ارتفاع الحرارة العالمية إلى أعلى مستوى لها منذ 130 عاماً، وفيضانات الصين التي قتلت حتى الآن أكثر من ألف شخص ودمّرت مليون منزل، والذوبان السريع لجليد جزيرة غرينلاند والقطب الشمالي، يجب أن تجبرنا على ذلك (التفكير(
فأمّنا الطبيعة قدّمت في باكستان وروسيا عرضاً “مُتواضعاً” عن شكل انتقامها بسبب تلاعبنا بتوازناتها وقوانينها، وما لم نتلقف هذه الرسالة ونتفهمها بسرعة، فالآتي سيكون حتماً أعظم بما لايقاس .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين