الزئبقيون

يحكى أنه

في غابة الوحوش المطيرة

هناك بعض الصيادين القدامى ..

النشامى..

تعبوا من الطراد

والشوك والقمل والنمل والجراد

جاعوا..

وضاعوا..

اشتاقوا إلى استراحة..

إلى أمن..

إلى واحة..

إلى أطلال أوطانهم..

إلى نادي الحارة..

إلى الجيران والأحباب

إلى لعب

إلى صيد بصنارة

*

اشتاقوا إلى مهد الطفولة..

فالطريق وعر..

والسفر طويل وممل..

والصراع يجلب السآمة ..

فمع شمس كل صباح..

جراح .. شوك .. ألم..

جوع .. فقر .. خوف..

أشباح .. عفاريت..

غول.. مغول..

قد طوقتهم شياطين الإنس والجن في كل مكان...

وأنهكتهم طعنة العدو وغدر الصديق..

فقرروا الالتفاف والرجوع..

واستسلموا

وأعلنوا الولاء والخضوع!

*

انفض هؤلاء..

عن موكب الإباء!

وصاروا..

يلعنون حضارة الآباء!

ومزقوا..

كل الكتب القديمة الصفراء..

وأقفلوا الكتاب..

وأشعلوا الحريق..

في كل صوى كانت لهم يوما ما..

معالم في الطريق!

*

وأعلنوها حركة تصحيحية ثورية!

تعيدهم إلى الصواب!

ملوا من الغابة..

وما فيها من ظلال..

وراحوا يبحثون عن أشعة الشمس من جديد..

ومتع ملونة تكون كالزلال!

في ظلال الحب والهلال

وطلعة الأقمار

في الوديان والتلال

*

وبحثوا عن مشعوذ

موسوس مهلوس

يفلسف لهم أفكارهم..

يجدد الخطاب..

ويطمس القرآن والكتاب

والسنة والشهاب..

ويفتح النوافذ المغلقة والأبواب..

يبيح لهم الشرب والشراب..

والناي والمزمار..

وأن يعيشوا كالقرود..

ويلعنوا الثياب..

يشجع التفحيط والتشفيط..

يحلل شحمة الخنزير

ولحمة الكلاب...

ويحرق الحجاب والنقاب..

مدعيا بأنه يحارب الإرهاب!

ويأكل أتباعه من تجديده..

الحلوى والكباب..

*

تعبوا فخلعوا من رؤوسهم..

كل أفكارهم القديمة..

مسحوها كالعفن..

ورموها كالأحذية البالية..

وقرروا..

أن يتطوروا..

فلبسوا الأحمر والأصفر..

وكل لون مزهر..

واجتنبوا الزيت والزعتر..

والتهموا البيتزا والبرغر..

وما عادوا يسمعون قصة عبلة وعنترة!

*

الشاب فيهم ذائب..

والعجوز الأشمط يتبختر..

يبحث عن لبن رائب..

ويخضب بياض شعره

باللون الأشقر

*

شعارهم:

كم هي حلوة هذه الدنيا؟!

كم هي جميلة؟!

يا الله!

دعونا يا ناس!

نفرح.. نضحك.. نلعب .. نلهو..

تبا لأيام الحر والقر

وتبا للمعسكر

*

حداؤهم:

هاتوا النبيذ..

هاتوا العسل والسكر..

ودعونا نسترجع أحلاما..

الله رحمان رحيم!

وهو أسمى من أن يعذبنا..

لأنه يحبنا..

الله أكبر!

الله أكبر!

*

قد يتعب الإنسان من دربه الرشيد.

أو فكره العنيد..

أو كثرة الوحوش والأسود..

فتراه طالبا لعيشه الرغيد..

هذا من حقه..

أن يعيش آبقا..

كالوغد والعربيد..

أو منكرا للوعد والوعيد..

فربنا الحسيب وربنا الرقيب..

قد أعطاه حرية القرار..

من حقه كل شيء.. إلا

أن يشتم البدر..

ويلعن الأحرار..

أو دم الشهيد!.

***

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين