وَجْهُ الشَبَهِ بَيْنَ نَوْمِ المؤمِنِ في قَبْرِهِ وبَيْنَ نَومِ العَرُوسِ(1)

الحمدُ للهِ والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلهِ وصحبهِ ومَنْ والاه وبَعْدُ:

فالسُّنَّةُ النَّبَويّةُ كما وصفها إمامُ دار الهجرة مالكُ بنُ أنس رحمه الله: سفينةُ نوحٍ من ركِبَها نَجَا وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا غَرِقَ؛ هكذا قَالَ ابْنُ وَهْبٍ كَانَ عِنْدَ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فَذُكِرَتِ السُنَّة فَقَالَ مَالك: (السُّنَّةُ سَفِينَةُ نُوحٍ مَنْ رَكِبَهَا نَجَا وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا غَرِقَ)(1).

والذي يعيش معها-أي: السُّنَّةُ -يَنال من حكمتها ويؤتاها فلقد سماها ربنا في محكم التنزيل حكمة.

قال اللهُ تعالى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} [الأحزاب: 34].

وقال عزَّ وجلَّ: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [البقرة: 269].

ولقد أخبرنا المعصومُ سيدُنا محمدٌ صلى الله عليه وآله وسلم فيما ارتضاه ربُّه وأطلعه من علم الغيب عن مصير الإنسان بعد موتِهِ وما سيتعرض له من فتنةٍ واختبارٍ في القبر وسؤال المَلَكَيْنِ.

وفتْنَة الْقَبْر وسؤال الْملكَيْنِ قد تَوَاتَرَتْ فيها الْأَحَادِيث(2) الصَحِيحةُ من رِوَايَة أنس، والبراء، وَتَمِيم الدَّارِيّ، وَبشير بن الْمُعَاوِيِّ ، وثوبان، وَجَابِر بن عبد الله، وَعبد الله بن رَوَاحَة، وَعبادَة بن الصَّامِت، وَحُذَيْفَة، وضمرة بن حبيب، وابن عَبَّاس، وابن عمر، وابن مَسْعُود، وَعُثْمَان بن عَفَّان، وَعمر بن الْخطاب، وَعَمْرو بن الْعَاصِ، ومعاذ بن جبل، وَأبي أُمَامَة، وَأبي الدَّرْدَاء، وَأبي رَافع، وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ، وَأبي قَتَادَة، وَأبي هُرَيْرَة، وَأبي مُوسَى، وَأَسْمَاء، وَعَائِشَة رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ(3)، بوقائع ومناسبات مختلفة ؛ من أجل هذا علّمَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمته أنْ يستعيذوا منها- أي فتنة القبر-؛ فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم كَانَ يُعَلِّمُهُمْ هَذَا الدُّعَاءَ كَمَا يُعَلِّمُهُمُ السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ يَقُولُ قُولُوا: «اللهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ».

وقَالَ الإمامُ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ بعد ذكره: " بَلَغَنِي أَنَّ طَاوُسًا قَالَ لِابْنِهِ: أَدَعَوْتَ بِهَا فِي صَلَاتِكَ؟ فَقَالَ: لَا، قَالَ: أَعِدْ صَلَاتَكَ، لِأَنَّ طَاوُسًا رَوَاهُ عَنْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ، أَوْ كَمَا قَالَ "(4).

والأسئلة التي سَنُفْتَتَنُ بها هي: "... مَنْ رَبُّكَ؟ ما دِينُكَ؟ مَنْ نَبِيُّكَ؟ وَمَا عِلْمُكَ؟..."(5). وفي لفظ " مَا يُدْرِيكَ؟ "(6) وفي رواية: " مَا كُنْتَ تَعْبُدُ؟ ...مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟، فَمَا يُسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ غَيْرِهَا"(7).

وهذا آخر امتحان في الدنيا يتعرَّضُ له المؤمن؛ فقال صلى الله عليه وآله وسلم : " وَهِيَ آخِرُ فِتْنَةٍ تُعْرَضُ عَلَى الْمُؤْمِنِ، فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}(8).

والذي ينجح في الامتحان في قبره يَودُّ لو يَرْجِعُ إلى أهله فيبشرهم بهذه النتيجة المبهرة "... فَيَقُولُ: دَعُونِي حَتَّى أَذْهَبَ فَأُبَشِّرَ أَهْلِي... "(9)، وفي لفظ: "... فَيَقُولُ: أَرْجِعُ إِلَى أَهْلِي فَأُخْبِرُهُمْ..."(10). وفي رواية يريد قيام السَّاعة لذلك: " رَبِّ عَجِّلْ قِيَامَ السَّاعَةِ كَيْمَا أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي(11). فيكون حاله كحال الذي يأخذ كتابه بيمينه يوم القيامة كما أخبرنا ربُّنا عن ذلك في محكم كتابه فقال {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا} [الانشقاق: 7 -9]، وقال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24)} [الحاقة: 19 - 24].

ونلاحظ هنا أنَّ الملائكةَ تقولُ له عبارة لها معناها ومغزاها الذي سِيْقَت من أجلها؛ فتقول له: " اسْكُنْ"، وورد هذا من مسند أنس (12)، وكذا من مسند أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ (13)، وجابر بن عبد الله (14)، والبراء بن عازب (15) فقال كما أخرج الترمذي وغيره: " ... ما دِينُكَ؟ مَنْ نَبِيُّكَ؟ وَهِيَ آخِرُ فِتْنَةٍ تُعْرَضُ عَلَى الْمُؤْمِنِ، فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم: 27] فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللهُ، وَدِينِيَ الْإِسْلَامُ، وَنَبِيِّي مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وآله وسلم ، فَيَقُولُ لَهُ: صَدَقْتَ، ثُمَّ يَأْتِيهِ آتٍ حَسَنُ الْوَجْهِ، طَيِّبُ الرِّيحِ، حَسَنُ الثِّيَابِ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِكَرَامَةٍ مِنَ اللهِ وَنَعِيمٍ مُقِيمٍ، فَيَقُولُ: وَأَنْتَ فَبَشَّرَكَ اللهُ بِخَيْرٍ، مَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ، كُنْتَ وَاللهِ سَرِيعًا فِي طَاعَةِ اللهِ، بَطِيئًا عَنْ مَعْصِيَةِ اللهِ، فَجَزَاكَ اللهُ خَيْرًا، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ مِنَ الْجَنَّةِ، وَبَابٌ مِنَ النَّارِ، فَيُقَالُ: هَذَا كَانَ مَنْزِلَكَ لَوْ عَصَيْتَ اللهَ، أَبْدَلَكَ اللهُ بِهِ هَذَا، فَإِذَا رَأَى مَا فِي الْجَنَّةِ قَالَ: رَبِّ عَجِّلْ قِيَامَ السَّاعَةِ كَيْمَا أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي، فَيُقَالُ لَهُ: اسْكُنْ" (16)

فحينما يُقالُ لهُ:" اسْكُنْ " وليس: اسْكُت، أو اصْمت أو غيرها من الكلمات؛ وذلك لأنه بعد نجاحه في الامتحان أصبح في موضع تكريمٍ وحفاوةٍ، فناسب هذه الكلمة دون غيرها ؛ ولأنَّ كلمة "اسْكُنْ" فيها معان مفعمة بالحنان والمحبة فيا مَنْ أنت بهذا الشوق للجنة ونعيمها، وفرحاً بلقاء ربه "اسْكُنْ" ؛ وهذه نفس الكلمة التي قالها المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لجِذْعِ حنَّ لفراقه فواساه بها فقال له: "اسْكُنْ" ؛ فعَنْ ابْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يُصَلِّي إِلَى جِذْعٍ، وَكَانَ الْمَسْجِدُ عَرِيشًا، وَكَانَ يَخْطُبُ إِلَى جَنْبِ ذَلِكَ الْجِذْعِ، فَقَالَ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: يَا رَسُولَ اللهِ، نَجْعَلُ لَكَ شَيْئًا تَقُومُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، حَتَّى تَرَى النَّاسَ، أَوْ قَالَ: حَتَّى يَرَاكَ النَّاسُ، وَحَتَّى يَسْمَعَ النَّاسُ خُطْبَتَكَ؟ قَالَ: "نَعَمْ " فَصَنَعُوا لَهُ ثَلَاثَ دَرَجَاتٍ، فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم كَمَا كَانَ يَقُومُ، فَصَغَى الْجِذْعُ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: "اسْكُنْ " ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: "هَذَا الْجِذْعُ حَنَّ إِلَيَّ " فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم : "اسْكُنْ، إِنْ تَشَأْ غَرَسْتُكَ فِي الْجَنَّةِ، فيَأْكُلُ مِنْكَ الصَّالِحُونَ، وَإِنْ تَشَأْ أُعِيدُكَ كَمَا كُنْتَ رَطْبًا " فَاخْتَارَ الْآخِرَةَ عَلَى الدُّنْيَا، فَلَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم دُفِعَ إِلَى أُبَيٍّ، فَلَمْ يَزَلْ عِنْدَهُ حَتَّى أَكَلَتْهُ الْأَرَضَةُ"(17).

ويقال له في لفظ آخر: " نَمْ صَالِحًا " وهذا ورد من مسند عائشة(18). أي: نَمْ صالحَ الَنَّفس، وهو كناية عن الراحة في النوم والله أعلم بالصواب.

قَالَ الْبَاجِيُّ: (أَرَادَ بِالنَّوْمِ الْعَوْدَ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ، سَمَّاهُ نَوْمًا لِمَا صَحِبَهُ مِنَ الرَّاحَةِ وَصَلَاحِ الْحَالِ)(19).

وفي رواية الأكثر: " ثُمَّ يُقَالُ لَهُ، نَمْ، فَيَقُولُ: أَرْجِعُ إِلَى أَهْلِي فَأُخْبِرُهُمْ، فَيَقُولاَنِ: نَمْ كَنَوْمَةِ العَرُوسِ الَّذِي لاَ يُوقِظُهُ إِلاَّ أَحَبُّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ، حَتَّى يَبْعَثَهُ اللهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ..."؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم : إِذَا قُبِرَ الْمَيِّتُ، أَوْ قَالَ: أَحَدُكُمْ، أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ، يُقَالُ لأَحَدِهِمَا: الْمُنْكَرُ، وَلِلآخَرِ: النَّكِيرُ، فَيَقُولاَنِ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ: مَا كَانَ يَقُولُ: هُوَ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولاَنِ: قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ هَذَا، ثُمَّ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا فِي سَبْعِينَ، ثُمَّ يُنَوَّرُ لَهُ فِيهِ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ، نَمْ، فَيَقُولُ: أَرْجِعُ إِلَى أَهْلِي فَأُخْبِرُهُمْ، فَيَقُولاَنِ: نَمْ كَنَوْمَةِ العَرُوسِ الَّذِي لاَ يُوقِظُهُ إِلاَّ أَحَبُّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ، حَتَّى يَبْعَثَهُ اللهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ..."(20).

وفي رواية ابن حبان: " فَيُقَالُ لَهُ: نَمْ فَيَنَامُ كَنَوْمَةِ الْعَرُوسِ الَّذِي لَا يُوقِظُهُ إِلَّا أَحَبُّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ حَتَّى يَبْعَثَهُ اللهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ" (21)

وهذه النومة وُصِفت بأنها: " أَحْلَى نَوْمَةٍ "، فعن أَبِي سَعِيدٍ الخدري: ".... فَيُقَالُ لَهُ نَمْ نَوْمَةَ الْعَرُوسِ فَيَكُونُ فِي أَحْلَى نَوْمَةٍ نَامَهَا أَحَدٌ حَتَّى يُبْعَثَ..."(22). ووصفت بأنها: "ألَذَّ نَوْمَةٍ"، فأخرج الرويانيِّ عن بعض الأصحاب رضي الله عنهم أَنَّهُ قَالَ: يُقَالُ لَهُ: «نَمْ، فَيَنَامُ ألَذَّ نَوْمَةٍ نَامَهَا نَائِمٌ قَطُّ حَتَّى تُوقِظَهُ السَّاعَةُ» (23)

بيان معاني الالفاظ وغريبها:

قَوْلُهُ: (نَمْ): مُتَضَمِّنٌ لِلْجَوَابِ-أي: جواب أرجع إلى أهلي ومالي-وَمُغْنٍ عَنِ الْإِطْنَابِ-أي: الاطالة-(24). فقولهم له: "نم" أغنى عن كل ذلك.

وقوله: " الْعَرُوسُ": نَعْتٌ يَسْتَوِي فِيهِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ مَا داما فِي إعراسهما، يقال: رجل عروس، وامرأة عروس، وهُوَ يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فِي أَوَّلِ اجْتِمَاعِهِمَا، يُقَال: رجل عروس وَامْرَأَة عروس، وَجمع الرجل: عروس، وَجمع الْمَرْأَة: عرائس، وَقَدْ يُقَالُ لِلذَّكَرِ الْعَرِيسُ(25).

قَالَ صَاحب الْعين: (والعَروس: نعتٌ للرجل والمرأة، استويا فيه ما داما في تعريسهما إذا عَرَّس أحدهما بالآخر. وأحسن ذلك أن يقال للرجل: مُعْرِسٌ، لأنّه أَعْرَسَ، أي: اتخذ عِرْساً)(26).

وَقَالَ ابْن الْأَثِير: (أَعْرَسَ الرجلُ فَهُوَ مُعْرِس إِذَا دَخَل بامْرَأتِهِ عِنْدَ بِنائِها، وأرادَ بِهِ هَاهُنَا الوَطْءَ، فسمَّاه إِعْرَاساً لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الإِعْرَاس، وَلَا يُقَالُ فِيهِ عَرَّسَ)(27).

وقال العيني: (وَقَول الْعَامَّة: الْعَرُوس للْمَرْأَة، والعريس للرجل لَيْسَ لَهُ أصل)(28).

وقيل: والمراد بالعروس ها هنا: الرجل؛ لأنه قال: (الذي لا يُوقِظُه)؛ ولم يقل: التي لا يُوقِظُها(29).

قُلْتُ: وهذا بعيد لان النص ذكر المومن " إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ" ولم يقل: "المؤمنة" والمؤمن هنا يشمل الذكر والانثى وهو معروف باللغة ولمن يتابع النصوص المستكثرة في الكتاب والسُّنَّة فيستعاض عن التأنيث بالتذكير، فناسب قوله هنا "يوقظه" ولم يقل: "يوقضها "، فلا يعد الضمير هنا دليل على تخصيص ذلك بالرجل دون المرأة والله أعلم بالصواب.

والأليق أن يقال في: "العروس" هنا: الأنثى لا الذكر لأنه وصف عام وهو في غير حالة الدخول-الزواج-وهذا ما التفت إليه العيني رحمه الله فقال: (والعروس نعت يَسْتَوِي فِيهِ الرجل وَالْمَرْأَة مَا داما فِي إعراسهما، وَيُقَال: اسم لَهما عِنْد دُخُول أَحدهمَا بِالْآخرِ، وَفِي غير هَذِه الْحَالة الرجل يُسمى عريساً وَالْمَرْأَة عروساً)(30).

وهذا الذي نتكلم عليه هنا، فالنَّصُّ ورد هنا في (القبر)، فهو في غير حالة دخول الرجل بالمرأة فهو خاص بوصف المرأة لا الرجل، وهو ما سنبيَّنَه في حديثنا عن وجه الشبه بين نوم المؤمن في قبره والعروس إن شاء الله تعالى.

وقوله: "الذي": موصول، وما بعده صلته، والموصول والصلة صفة للعروس.

وقوله: "لا يُوقظُه "، أَيقَظَ يُوقِظُ: إذا نبَّه أحدًا من النوم(31). 

وقوله: "إلا أحبُّ أهله إليه". والأهل هنا: 

قيل: هو الزوج(32).

وقَالَ الْمُظْهِرُ: عِبَارَةٌ عَنْ عِزَّتِهِ وَتَعْظِيمِهِ عِنْدَ أَهْلِهِ يَأْتِيهِ غَدَاةَ لَيْلَةِ زِفَافِهِ مَنْ هُوَ أَحَبُّ وَأَعْطَفُ فَيُوقِظُهُ عَلَى الرِّفْقِ وَاللُّطْفِ(33). وعلى هذا يكون المعنى: أي الذي يوقظه هو أهلُه من أبيه وأمِّه وأحبابه من عائلته أو عائلتها.

فالأهل هنا يُرادُ بهم: الزَّوج أو أهل الزوج، وأنا أميل إلى أن الذي يوقظها من نومها هو زوجها فهو بعد الزواج والدخول بها وقد أفضى إليها وأفضت إليه، وذاق عسيلتها وذاقت عُسَيْلَتَهُ (34)؛ فالزوج بمثابة أحبَّ أهلها اليها فهو أقرب إليها منهم، فهو من يوقظها من نومها، والإيقاظ هنا يراد به إيقاظ محبةٍ، وعاطفةٍ، وحنانٍ والله أعلم بالصواب.

 

( ) ذم الكلام وأهله؛ لأبي إسماعيل عبد الله بن محمد بن علي الأنصاري الهروي (المتوفى: 481هـ): (5/ 80) (872).

(1) قلت: اراد هنا المتواتر المعنوي لا اللفظي كما لا يخفى.

(2) ينظر شرح الصدور بشرح حال الموتى والقبور (ص: 121).

(3) صحيح البخاري (8/ 79) (6367).

(4) مسند أحمد ط الرسالة (30/ 576) (18614).

(5) إثبات عذاب القبر للبيهقي (ص: 51).

(6) صحيح مسلم (1/ 413) (590).

(7) مسند أحمد ط الرسالة (30/ 576) (18614).

(8) سنن أبي داود (4/ 238) (4751).

(9) سنن الترمذي ت بشار (2/ 374) (1071).

(10) مسند أحمد ط الرسالة (30/ 576) (18614).

(11) سنن أبي داود (4/ 238) (4751).

(12) مسند أحمد ط الرسالة (17/ 32) (11000).

(13) مسند أحمد ط الرسالة (22/ 415) (14547).

(14) مسند أحمد ط الرسالة (30/ 576) (18614).

(15) مسند أحمد ط الرسالة (30/ 576) (18614).

(16) مسند أحمد ط الرسالة (35/ 179) (• 21260)، وهو من زيادات عبد الله ابن الامام أحمد على المسند.

(17) صحيح البخاري (1/ 28) (86).

(18) شرح الزرقاني على الموطأ (1/ 644).

(19) سنن الترمذي ت بشار (2/ 374) (1071) وقال الترمذي: وَفِي البَاب عَنْ عَلِيٍّ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَالبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، وَأَبِي أَيُّوبَ، وَأَنَسٍ، وَجَابِرٍ، وَعَائِشَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ، كُلُّهُمْ رَوَوْا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم فِي عَذَابِ القَبْرِ. وقال: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.

(20) صحيح ابن حبان -محققا (7/ 386)، ذِكْرُ الْإِخْبَارِ عَنِ اسْمِ الْمَلَكَيْنِ اللَّذَيْنِ يَسْأَلَانِ النَّاسَ فِي قُبُورِهِمْ ثَبَّتَنَا اللَّهُ بِتَفَضُّلِهِ لِسُؤَالِهِمَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، (3117)، مصنف ابن أبي شيبة (3/ 56) (12062)، السنة لابن أبي عاصم (2/ 416) (864).

(21) ذكرها ابن حجر وعزها لسنن سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، وكذا فعل الزرقاني. ينظر فتح الباري لابن حجر (3/ 238)، وشرح الزرقاني على الموطأ (1/ 644)، قُلْتُ: رجعت للمطبوع فلم أعثر عليه ولعله في المفقود منه والله أعلم بالصواب.

(22) مسند الروياني (1/ 263) (392).

(23) ينظر مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (1/ 211).

(24) ينظر شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (2/ 594)، فتح الباري لابن حجر (9/ 586)، شرح المصابيح لابن الملك (1/ 138)، لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح (1/ 430)، مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (1/ 211)، تحفة الأحوذي (4/ 156)، عمدة القاري شرح صحيح البخاري (4/ 86).

(25) ينظر قال الْخَلِيل: العين (1/ 328).

(26) ينظر النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 206).

(27) ينظر عمدة القاري شرح صحيح البخاري (4/ 86).

(28) ينظر المفاتيح في شرح المصابيح (1/ 227).

(29) ينظر عمدة القاري شرح صحيح البخاري (13/ 183).

(30) المفاتيح في شرح المصابيح (1/ 227)، مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (1/ 211)، تحفة الأحوذي (4/ 156)، مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (1/ 226).

(31) مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (1/ 226).

(32) ينظر شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (2/ 594)، مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (1/ 211).

(33) قُلْتُ: وأصله قوله صلى الله عليه وآله وسلم لامْرَأَةِ رِفاعَة القُرَظِيِّ: «أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ؟ لاَ، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ»، ينظر صحيح البخاري (3/ 168) (2639)، صحيح مسلم (2/ 1055) (1433). والعُسيلة: بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ السِّينِ تَصْغِيرُ عَسَلَةٍ وَهِيَ كِنَايَةٌ عَنِ الْجِمَاعِ شَبَّهَ لَذَّتَهُ بِلَذَّةِ الْعَسَلِ وَحَلَاوَتِهِ قَالُوا وَأَنَّثَ الْعُسَيْلَةَ لِأَنَّ العسيلة نَعْتَيْنِ التَّذْكِيرَ وَالتَّأْنِيثَ، وَذَاقَ الرَّجُلُ عُسَيْلَةَ الْمَرْأَةَ وَذَاقَتْ عُسَيْلَتَهُ إذَا حَصَلَ لَهُمَا حَلَاوَةُ الْخِلَاطِ وَلَذَّةُ الْمُبَاشَرَةِ بِالْإِيلَاجِ. ينظر شرح النووي على مسلم (10/ 2)، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (1/ 211)، وقال محمد فوأد عبد الباقي: وهذ استعارة لطيفة شبهت لذة المجامعة بحلاوة العسل أو سمى الجماع عسلا لأن العرب تسمى كل ما تستحليه عسلا وفي الأساس ومن المستعار العسيلتان في الحديث للعضوين لكونهما مظنتى الالتذاذ. ينظر تعليقه على صحيح مسلم (2/ 1055).

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين