ملامح سور القرآن الكريم: سورة النساء

سورة النساء معنية بشئون الضعفاء وحقوقهم، حتى إن لفظ (المستضعفين) جاء في القرآن أربع مرات، كلها في سورة النساء. وعلى عادة القرآن في البدء بالأحكام المعالجة للواقع في صورته العاجلة، بدأت السورة بأحكام الميراث وأموال اليتامى وبعض أحكام الزواج.

والسورة معنية في هذا السياق بالقتال في سبيل الله والمستضعفين، فمن أسباب القتال الدفع عن المستضعفين واستنقاذهم.

إن الحروب والهزات العنيفة مظنة تبدل الحكام والأنظمة، ولذلك قررت السورة دستور الحكم الذي صار أساس السياسة الشرعية، وذلك قوله: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل...) الآيتين.

وفي السورة أشواط طويلة في صفة المنافقين وفضح تلونهم. وهم ينتهزون فرصة اضطراب المجتمع ودخوله في محنة ليكونوا عونًا وأولياء لأعدائه.

وفيها بيان لأحكام الهجرة من وجوبها لمن يخاف الفتنة، وعذر المستضعفين الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا.

وفي خلال ذلك تقرر السورة الأحكام بمناسبة هذه الشئون، كأحكام صلاة الخوف المتصلة بالقتال والهجرة، وأحكام قتل الخطأ، وأحكام الاغتسال والوضوء، وأحكام المسالمة والمقاتلة، وأحكام المقاضاة وثبوت الجنايات، وتدعو إلى القيام بالقسط والشهادة لله، وألا يكون فقر الإنسان أو ضعفه داعيًا إلى هضم حقه، أو اتباع الهوى والحيدة عن العدل في شأنه.

إن أحكام الإسلام شبكة مترابطة لا يستهان فيها بكبير ولا صغير، بل كلها كبير، ولا خاص ولا عام، ذلك أنها موصولة بخشية الله وابتغاء ما عنده، وأيضا هي ما يصلح للإنسان وما يصلح به، وهي الخريطة الكاملة التي يسير عليها في حالي القوة والضعف، وحالي الأمن والخوف، وحالي السلم والحرب.

وفي ختام السورة شوط طويل في مجادلة أهل الكتاب وشرح لشأن نبي الله عيسى بن مريم -عليه السلام- فهو رسول الله وكلمته، وليس إلها ولا ابنا لله -تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا- وذلك بمناسبة حال الاستضعاف التي ينتهزها العدو ليبدِّل دين الذراري ومن يقع في أيديهم. وكانت هذه مناسبة لتقرير حقيقة حال المسيح، وأنه لم يقتل ولم يصلب، وأن من اعتقد ذلك فيه لم يتبع علمًا، بل قصاراه اتباع الظن.

وههنا ملحظ لطيف في شأن تقرير أحكام الميراث في السورة وصلتها بضعف الإنسان، ثم باعتقاد النصارى في المسيح، فالإنسان يولد ويلد، ثم يورث ويرث، وهذا من حال الضعف التي كتبها الله على بني آدم، فقد خُلق الإنسان ضعيفًا، كما قال في السورة، وهو يملِك في الدنيا مِلكًا ناقصًا مؤقتًا، ثم يخرج من مِلكه بالموت فيورث، ويخلُف الناسُ بعضهم بعضًا في سكنى الأرض ومِلك ما فيها، والله -سبحانه- لم يلد ولم يولد، هو المالك والملك، وهو الوارث الذي لا يُورَث.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين