فوائد من مجالس السماع والرواية (2)

الحرصُ على طلب العمل، والمجاهدة في تحصيله، والمصابرة على نيله، ومداومة النظر والاصغاء الجيد، والمقارنة بين المذكور في المصادر والمراجع وبين ما يذكره الشيخ في مجلس السماع من الفوائد والفرائد، يفتح القريحة، ويثبت المعلومة الصحيحة، ويدعو القلم الى كتابة الخواطر بلغة فصيحة.
وهذا ما لمستُه مراراً وتكراراً في مجالس السماع على شيخنا الدكتور عبد الحكيم محمد الأنيس -حفظه الله- في الوقت الذي أحضر فيه مجالس سماع مباركة من مشايخ صالحين وعلماء ربانيين.
ولكني أجد سراً عجيباً وأمراً غريباً يحرك الروح ويدفع بالقلم الى أن يكتب الخواطر ويجمع الشارد والوارد ومن هذه الخواطر :

**

الخاطرة الخامسة: بين يدي كتاب "البرة في الهرة".
حضرتُ مجلس سماع كتاب "البرة في الهرة" للعلامة علي القاري الهروي المكي الحنفي (ت: ١٠١٤) من شيخنا الدكتور عبد الحكيم محمد الأنيس الحلبي البغدادي -حفظه الله- عصر اليوم الجمعة 19 / ذو القعدة/ 1441 الموافق 2020/7/10م
وقد خطر لي بأنه قد يقال: إن أمثال هذه الرسائل تُعد من الترف العلمي والإثراء الفكري
قلت: الذي يبدو لي أن عناية العلماء بكل شاردة وواردة تحقيقاً وتدقيقاً وتوثيقاً مظهر من مظاهر المحافظة على الشرع وما حواه من علوم وفنون وأصول وفروع، وقد وكّل الله لذلك أقلام العلماء، وقراطيس الفضلاء، ومجالس سماع الصلحاء، وبذلك يُبَرهن للمعجزة المستمرة في كل زمان ومكان { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ{ وقد قيّض الله، من هذه الأمة، من يضبط اللفظ ويصحح المعنى، فحُفظ هذا الدين في الصدور والسطور، وهو مشاهد على مرّ العصور، وباق الى أبد الدهورز

**

الخاطرة السادسة: بين يدي كتابين: "قلائد المرجان" و"عرف البان".
عقد أستاذنا الموسوعي الدكتور عبد الحكيم محمد الأنيس الحلبي البغدادي -حفظه الله - عصر اليوم الجمعة ٢٦ / ذو القَعدة/ ١٤٤١ الموافق ٢٠٢٠/٧/١٧م، مجلساً لسماع كتابين طريفين لمؤلفين دمشقيين، أحدهما: "قلائد المرجان في الوارد كذباً في الباذنجان" للعلامة الناجي الدمشقي الشافعي (ت: ٩٠٠) ثانيهما: "عَرف البان فيما وردَ في الباذنجان للعلامة ابن طولون الدمشقي الحنفي (ت: ٩٥٣)، وقد أجاد الأستاذ وأفاد كما هو المعروف عنه والمعتاد، وهو مشهور بذلك بلا جدال ولا عناد .
وقد خطر لي: أنّ الذبّ عن سنة سيد الأنبياء ﷺ دأب المحققين من العلماء، وحرفة الصالحين والأتقياء، يدفعون عن الشارع وشرعه ما يشينه، ويظهرون ما يرفع شأنه ويزينه.
وقد أجرى الله الحق على لسان العلماء العاملين في كل زمان ومكان، غير مبالين بضيق الحياة وجور الإنسان، ولا مكترثين بحياة المترفين، لما في ذلك من دفاع عن الدين، وردّ شبه المبطلين، ودحض بدع المغالين، وهذه صناعة عظيمة تعدل جهاد الكافرين، ورحم الله يحيى بن يحيى إذ يقول: "الذّبُّ عن السُّنّة أفضلُ من الجهاد في سبيل الله".

***

الخاطرة السابعة: بين يدي سماع جزء "فضل عشر ذي الحَجّة للإمام الطبراني".
عقد شيخنا وأستاذنا الدكتور عبد الحكيم محمد الأنيس -حفظه الله - عصر يوم الثلاثاء ٣٠ /ذوالقَعدة/ ١٤٤١ الموافق ٢٠٢٠/٧/٢١ م مجلساً لسماع جزء "فضل عشر ذي الحَجّة للإمام الطبراني" وقد حضره خلق كثير، ورحلوا اليه افتراضياً لينهلوا منه العلم الوفير.
وقد خطر لي: أنّ الرحلة من أهمّ أسباب طلب العلم وكسب المعرفة، وقد قصّ القرآن لنا رحلة موسى للخضر - عليهما السلام - وأفادت الأمة من ذلك على مرّ العصور والدهور، فضرب الصحابة والتابعون وبعدهم العلماء والفقهاء والمحدّثون أروع الأمثلة، وأجمل الصور في الرحلة لطلب العلم، وقطعوا بذلك الجبال والوديان والبحار والسهول، واغتنموا اللحظات والايام والاسابيع والشهور.
وبعد تعذرها في مثل هذا الزمان على كثير من بني الانسان، يسّر الله - في عالَم افتراضي- مجالس السماع، واجتماع طلبة العلم من مختلف الاصقاع، وما أعظمها من نعمة ومنحة لمن أراد اغتنام الأوقات وكثرة الانتفاع.

***

الخاطرة الثامنة: بين يدي «الحديث المسلسل بالعيد» وكتاب: "خواطر حاج".
عقد شيخنا عبد الحكيم محمد الأنيس حفظه الله ظهر يوم عيد الأضحى (1441) بالتعاون مع مدرسة الحديث العراقية- مجلساً لقراءة: «الحديث المسلسل بالعيد» وكتاب: "خواطر حاج" له.
وقد خطر لي أمران:
أحدهما: أنّ العلم لا ينحصر في زمان، ولا يُحدّ في مكان، وعلى العاقل أن يبالغ في طلب العلم في جميع أوقاته ولا يبالي بالأفراح ولا الأحزان، لأنّ العلم فيه النجاة والفلاح والرفعة في الدنيا والفوز بالجِنان، إن أخلص النية في الجَنان، وقرن ذلك بالعمل وعبادة الديّان.
ثانيهما: اعتاد الناسُ في أول يوم من العيد على أن يدخلوا الفرح والسرور على قلوب الصغار والأطفال بإعطائهم مقداراً من المال يُصطَلح عليه (العيدية) فإذا اشتد قوام الصبي وبلغ مبلغ الرجال يُحرَم منها ويعاب عليه أخذها، ولكن هذه المجالس تُعيد للكبار الشعور الجميل الذي يخالج قلوب الصغار.

***

الخاطرة التاسعة: خاطرة بين يدَي كتاب "الأربعين في تصحيح المعاملة" للإمام القُشيري.
عقد شيخنا الحبيب وأستاذنا الحسيب الدكتور عبد الحكيم محمد الأنيس -حفظه الله - اليوم الجمعة 17/ذو الحَجّة/ 1441الموافق 2020/8/7م، مجلساً لقراءة كتاب "الأربعين في تصحيح المعاملة" للإمام القُشيري (ت: 465)
وقد خطر لي: أنّ تصحيح تصرفات الخلق السالكين طريق الحقّ تحتاج الى أربعة أمور:
أولها: الدعاء وسؤال الله الهداية لتحقيق التخلية والتحلية فمن دعائه ﷺ: "اللَّهمَّ اهدني لأحسنِ الأخلاقِ لا يَهدني لأحسنِها إلَّا أنتَ، وقني سيِّئَ الأعمال والأخلاق لا يقي سيئَها إلا أنتَ".
ثانيها: النظر في آيات القرآن الكريم وأحاديث النبي عليه الصلاة والتسليم المرشدة الى القول السليم، والعمل القويم قال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} والتعرّف على أحوال الآل والصحابة والصالحين رضي الله عنهم أجمعين.
ثالثها: تنفيذ الأوامر وتطبيقها، وترك النواهي والحذر من الوقوع فيها، ومجاهدة النفس، ومجالدة الهوى، ومعاداة الشيطان للرقي بالرّوح والنّفس وتجريدها من عوالقها وما يشينها، والتخلص من كل خلل يعتريها قال جلّ شأنه:{فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ وَٱسْمَعُواْ وَأَطِيعُواْ وَأَنفِقُواْ خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ}.
وهذا من الفقه الذي نصَّ عليه الإمام أبو حنيفة - رحمه الله - بقوله: "الفقه: معرفة النّفس ما لها وما عليها".
رابعها: يُعدّ كتاب "الأربعين في تصحيح المعاملة" للإمام القشيري سِفراً عظيماً للسالكين، ومنهجاً في الجانب التطبيقي للمكلفين، يلقي الضوء على أحسن الأقوال، وأرشد الأعمال، وجميل الصفات والخلال، للفوز والسعادة وحسن الخاتمة في الآجال.

والله أسأل أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما يعلمنا وأن يرزقنا العلم النافع
الحلقة الأولى هــــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين