ليس هذا هو التصوف

بلينا في هذا الزمان بقوم يدّعون التصوف وهم من أعوان الظلمة يصفقون للمتغلب القاتل الفاسق الخوّاض في أموال المسلمين بغير حق والراعي للفساد والإفساد الذي تدأب عليه وسائل إعلامه والمضيع لرعيته والمسلط عليهم جلاديه.

قوم يدّعون التصوف وقد دخلوا قصور السلاطين والأثرياء وواكلوهم وشاربوهم فتمازجوا وتبادلوا المحبة التي أفضت إلى الإعذار والتبرير المقارن للشدة والإغلاظ وسوء الظن بمعارضيهم ولا سيما من يسمى الإسلاميين ..فكأنهم مرجئة مع الحكام خوارج مع الإسلاميين المعارضين!!

التصوف نور، ولا يجتمع النور مع الظلام، التصوف التزام تام وحقيقة تقوم على أركان تمسك بالشريعة وسلوك للطريقة على منهج خير الأنام سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام.

فكيف صح لهؤلاء ان تأنس قلوبهم بأهل الظلم والظلمة والتصوف كله نور وعدل؟! وكيف ركنوا إلى الغافلين وأول طريق التصوف اليقظة؟! وكيف أحبوا الفاسدين والمفسدين والأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف؟!

ثم زاد بعض هؤلاء المتمصوفة الطين بلة فغرقوا في وحل (الإعلام)، وانجروا إلى مخالفة الشريعة، ومالوا مع الهوى، وصدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه، فظهر فيهم من يخالط النساء ويتهاون في (الحجاب) فلا يبالي أكان محاوره رجلا أو امرأة ولا يبالي أكانت هذه المرأة محجبة لا تضع الأصباغ والزينة على وجهها أو سافرة متبرجة او ساترة راسها كاشفة وجهها المزين المزركش المحمر!! بل أغرق بعضهم في المعاصي وتلبيس إبليس فظهر يحدثنا عن العشق الإلهي ويشنف الآذان بكلام العارفين وتحليقات المحبين ويخلط ذلك بالأغاني العرفانية تشدو بها امراة لم تكتف بجمال صوتها فجملت وجهها وزينته بالأصباغ وحولها ثلة من الرجال يحملون الآلات الموسيقية المحرمة متفاعلين!!

فأي تصوف هذا ؟! وأي اتباع للحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام؟!

وظهر آخر يبحث عن الحقيقة في رحلة مختلطة إلى إحدى الجنان بين شباب وفتيات بعضهن سافرات يلعبون جنبا إلى جنب ويسهرون على صوت أحد المنشدين وأناشيده المرققة للقلوب وهم حوله وحول شيخهم متحلقون..اما بداية هذه الرحلة من كل حلقة فشيء لا علاقة له بالتصوف ولا بالتزام الشرع الشريف ولا بالحقيقة: فتاة سافرة تعد لنفسها شطيرة طعام وشاب يحلق لحيته وأخرى تهيئ نفسها وتحلي أذنها بحلق من الذهب وشيخ يجمع حاجاته ليتجهزوا لرحلتهم بحثا عن الحقيقة!!

والحقيقة أن الحقيقة تشتكي إلى الله من مثل هذه الأعمال..وأن حقيقة التصوف تزكية النفس والترقي عن صور الحس والانعتاق عن أسر العادة ومغالبة الهوى حتى يكون تبعا لما جاء به المصطفى صلى الله عليه وسلم من خلال الاستنان بأهل الصفاء وشدة التعلق بسادات أهل الاصطفاء..

قال صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به).[قال النووي: حديث صحيح رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح].

ورحم الله الإمام اللقَاني إذ يقول في جوهرة التوحيد:

فَكُلُّ خَيْرٍ فِي اتِّبَاعِ مَنْ سَلَف=وَكُلُّ شَرٍ في ابْتـدَاعِ مِـنْ خَلَـفْ

وَكُلُّ هَدْيٍ لِلنَّبِّي قَـدْ رَجَـحْ=فَمَا أُبِيحَ افْعَلْ وَدَعْ مَـا لَـمْ يُبَـحْ

فَتَابِعِ الصَّالِحَ مِمَّـنْ سَلَفَـا=وَجَانِـبِ الْبِدْعَـةَ مِمَّـنْ خَلَـفَـا..

وإذا كنتم تظنون ان هذه الأساليب دعوة إلى الإسلام وتقريب لطريق أهل الله فأنتم مخطئون فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وشرف الغاية ونبل المقصد لا يبرر الوسيلة المحرمة وما هذا الذي أنتم فيه إلا من تلبيس إبليس لو تعلمون.. 

(يتبع)

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين