الوفاء ولو قليلا

الوفاء لمن دخلت بيته، وأكلت زاده، وشربت شرابه، واستأنست في الحديث عنده، هو مما يدل على مروءتك.

والكلام على من دخلت بيته، وأكلت زاده، وشربت شرابه، واستأنست في الحديث عنده، يدل على لؤمك.

وكما هو هذا حال الأفراد، فإن المجتمعات والأوطان والدول لها الحكم ذاته.

***

بعض الناس يدعوك إلى طعام فلا تنسى عزيمته بعد أربعين سنة

فكيف لو استضافك مدة؟

وكذلك المجتمعات الإنسانية والدول..

فأي مكان ينبت العز طيب كما قال أبو الطيب:

وكل امرئ يولي الجميل محبب=وكل مكان ينبت العز طيب

فلا تكن مسيئا لمكان آواك واحتضنك

ولا لمكان أكلت منه عيشك، وكسبت فيه رزقك.

***

حين تنكر المتنبي لسيف الدولة وقال:

قواصد كافور توارك غيره=ومن طلب البحر استقل السواقيا

استنكر سيف الدولة هذا البيت وقال: أجعلني للعبد ساقية؟!

ثم أنفذ للمتنبي المال، فعاد لمدح سيف الدولة، وقال له:

كلما رحبت بنا الروض قلنا =حلب قصدنا وانت السبيل

انت طول الحياة للروم غاز =فمتى الوعد ان يكون القفول

وسوى الروم خلف ظهرك=روم فعلى اى جانبيك تميل

***

نعوذ بالله من نكران الجميل..

بعض الناس يعيشون في بلاد قد لا يغادرونها حتى الموت.. ولا يشبعون من خيراتها الكثيرة الوفيرة.. وكأن لسان حالهم يحكي ما قاله أبو الطيب:

فقد بشمن وما تفنى العناقيد

وبدلا من أن يشكروا ربهم على نعمة الأمن والعمل والصحة والعافية التي وجدوها في الغربة، وافتقدوها في أوطانهم، تجدهم يغمزون ويلمزون بمن آواهم وشغلهم.. وإذا كتب الله لهم مغادرة تلك البلاد، تحدثوا عن كل سلبية ونقيصة رأوها، وكتموا كل فضيلة وحسنة، يسلقون مضيفهم بألسنة حداد، منكرين لكل جميل، فما هم إلا كما قال الشاعر:

أعلمه الرماية كل يوم=فلما استد ساعده رماني

وكم عملته نظم القوافي=فلما قال قافية هجاني

***

لا يوجد مكان مثالي 100% إلا أن يكون الجنة.

وعلى المرء ذكر الجميل

وستر القبيح مما رآه..

سواء من زملائه أم بيئته أم وطنه أم غربته.

ومن ستر مؤمنا ستره الله تعالى، ومن فضحه فضحه الله تعالى على رءوس الخلائق يوم القيامة.

ورحم الله تعالى الإمام الشافعي حين قال:

لسانك لا تذكر به عورة امرئ=فكلك عورات وللناس ألسن

وعينك ان أبدت اليك مساويا=فصنها وقل ياعين للناس أعين

***

الموقف الشرعي من إنكار الجميل

جاء في موقع إسلام ويب تحت عنوان: (نكران الجميل من شيم اللئام) الآتي:

"لا يستغني الناس في هذه الحياة عن بعضهم البعض، فلا يستطيع إنسان أن يعيش وحده. ومعنى ذلك أن هذا الإنسان سيؤدي إلى الآخرين بعض ما يحتاجون إليه، كما إنه سيأخذ منهم بعض ما يحتاج إليه. وقد وجه النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى الاعتراف بالجميل وعدم نكرانه، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أُعطيَ عطاءً فوجد فليجْز به، ومن لم يجد فليثن فإن مَن أثنى فقد شكر، ومن كتم فقد كفر، ومن تحلَّى بما لم يُعْطَهْ كان كلابس ثوبَي زور".

أما أن يحسن الآخرون إلى أحدنا فلا يجدون إلا نكرانًا فهذا دليل على خِسَّة النفس وحقارتها؛ إذ النفوس الكريمة لا تعرف الجحود ولا النكران، بل إنها على الدوام وفية معترفة لذوي الفضل بالفضل:

ولقد دعتني للخلاف عشيرتي=فعددت قولهم من الإضلال

إني امرؤٌ فيَّ الوفـــــاء سجية=وفعال كل مهذب مفضال

أما اللئيم فإنه لا يزيده الإحسان والمعروف إلا تمردًا:

إذا أنت أكرمت الكريم ملكته=وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا

فحين لا يقر الإنسان بلسانه بما يقر به قلبه من المعروف والصنائع الجميلة التي أسديت إليه سواء من الله أو من المخلوقين فهو منكر للجميل جاحد للنعمة.

نكران الجميل سببٌ لدخول النار:

حين تكون عادة الإنسان نكران الجميل، وكفران الإحسان فإنه يسلك بذلك سبيلاً إلى النار – والعياذ بالله – فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أُريت النار فإذا أكثر أهلها النساء يكفرن". قيل: أيكفرن بالله؟ قال: "يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهنَّ الدهر ثم رأت منك شيئًا قالت: ما رأيتُ منك خيرًا قط".

من لم يشكر الناس لم يشكر الله:

عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر: "من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله، التحدث بنعمة الله شكر، وتركها كفر، والجماعة رحمة، والفرقة عذاب".

وهكذا يوجه النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى الإقرار بالجميل وشكر من أسداه، بل والدعاء له حتى يعلم أنه قد كافأه، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سألكم بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن أتى عليكم معروفًا فكافئوه؛ فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه".

نكران الجميل سبب العقوبة وزوال النعم:

قال الأصمعي رحمه الله: سمعت أعرابيًا يقول: أسرع الذنوب عقوبة كفر المعروف.

وفي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ما يشهد لذلك".

انظر هـــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين