معنى عيد الأضحى

 

قالوا: ما معنى عيد الأضحى؟ 

قلت: هو على العكس مما أنتم فيه. قالوا: ما رأينا أغلظ منك خطابا، ولا أخشن منك في وجوه الطالبين، ولا أنهر منك للسائلين، فأخْبِرنا عما زعمت من التعارض المشين بين حالنا وبين معنى عيد الأضحى. قلت: العيد عندكم أكل وشرب، والتذاذ وتمتع، واحتفال وتزاور.

قالوا: إن ما تفلسفت به هو الانحراف المبين عن المعنى الشائع لدى الأمم والشعوب، ومجانبة المهيع العتيق الذي عليه المسلمون منذ مواضي القرون، ومناقضة لسنة النبي الأمين صلى الله عليه وسلم، ألم تسمع ما أخرجه الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه عن نبيشة الهذلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيام التشريق أيام أكل وشرب، وأيضًا عن كعب بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه وأوس بن الحدثان أيام التشريق فنادى أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن وأيام منى أيام أكل وشرب، وأخرج أصحاب السنن عن أنس رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما يوم الأضحى ويوم الفطر، وروي أيضًا أنها أيام أكل وشرب وبعال.

قلت: لا أجاملكم ولا أحابيكم، وما زادتني الأحاديث التي أسندتموها إلا إمعانا في مذهبي من زجركم عن إفساد معنى العيد، وونهيكم عن مناقضته هذه المناقضة الظاهرة.

قالوا: فما المعنى الصحيح لعيد الأضحى الذي قصدت إرشادنا إليه؟

قلت: هذا العيد تذكير قوي بملة إبراهيم التي أمرنا ربنا عز وجل باتباعها، والتي ليست إلا عبارة عن المعنى الذي من أجله جعله الله إماما للناس، واتخذه لنفسه خليلا، وهذا المعنى يتكون من ثلاثة عناصر رئيسة:

العنصر الأول: هو تعطشه الشديد لمعرفة ربه، ولم تمنعه منه الحجب السائدة المتغلبة، فكان قادرا على أن يخترق حجاب الرسوم والعادات، وحجاب المجتمع والقوة والمال، وحجاب الطبيعة وسائر الماديات، كشف عن عينيه الستائر كلها، ورفع عن عقله الكثافات، وعن قلبه الغشاوات، ولم يزل جاهدا أن يزيد من إيمانه بربه وعلمه به إلى أن وافاه الأجل.

والعنصر الثاني: إسلامه لربه، فلما عرفه وآمن به أسلم نفسه له إسلاما لا يشوبه كسل ولا فتور، ولا ضعف ولا توان، هو رجل منعوت بالعبودية في كامل معناها، خاشعا قانتا، ومتذللا له راكعا وساجدا.

والعنصر الثالث: هو إخلاص نفسه لربه في حنيفية تامة، فرضي بأن يضحي بأحب ما لديه امتثالا لأمر ربه، وهذه التضحية أكبر ابتلائه، فلما أتمه جعله الله إماما، قال تعالى: "وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال: إني جاعلك للناس إماما"، وهذا المعنى الذي أكده تعالى في قوله: "وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون".

وهذه التضحية هي الدليل على النجاح في الابتلاء وعلى تحقيق معنى الصبر، وهو معنى ما أخرجه الشيخان وغيرهما عن عن علي أن فاطمة عليهما السلام شكت ما تلقى في يدها من الرحى، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادما، فلم تجده فذكرت ذلك لعائشة، فلما جاء أخبرته، قال: فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبت أقوم فقال: مكانك فجلس بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري، فقال: ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم؟ إذا أويتما إلى فراشكما أو أخذتما مضاجعكما فكبرا ثلاثا وثلاثين وسبحا ثلاثا وثلاثين واحمدا ثلاثا وثلاثين فهذا خير لكما من خادم.

فهذا الحديث نص صريح على التضحية، لم يجمع النبي صلى الله عليه وسلم لهما بين الخادم والتسبيح، بل حملهما على الزهد في الخادم، وملازمة التسبيح، وأنتم فتسعون أن تجمعوا بين الأمرين، وهو خلاف معنى الحنيفية التي تحتفلون بهذا العيد في ذكرى إمامها، فهيهات هيهات ما تتمنونه وتشتهون.

قالوا: فلماذا حث النبي صلى الله عليه وسلم على الأكل والشرب في هذه الأيام والاحتفال بها عيدا؟ 

قلت: إنا إذا أردنا تذكير الخاصة اقتصرنا على دعوتهم إلى الذكر، فيجتمعون ويتذكرون، ولكن إذا أردنا تذكيرا عاما فلا بد أن يكون هنا احتفال وأكل وشرب، فحينئذ يحتشد العامة، فيسهل علينا تذكيرهم، فالدعوة إلى الطعام وسيلة لحشد الناس، وكل ما كان وسيلة إلى عبادة فهو عبادة.

قلت: فأنتم جعلتم الوسيلة هي الأصل، وأضعتم الهدف مستغنين عنه متلاهين، تحتفلون بالأعياد وتقدمون الأضاحي، ولا تزيدكم إيمانا بربكم ولا تقربا إليه ولا إسلاما له، فانظروا فيما قدمت لكم من البيان مصححين به مساركم وموجهين وجوهكم إلى ربكم حنفاء.

قالوا: شكرنا لك سعيك واحتمالك الأذى في سبيل إرشادنا. 

قلت: لنحمد ربنا جل وعلا، ولنسأله أن يوفقنا اتباع ملة إبراهيم عليه السلام، وهو المجيب للدعوات والموفق للسداد.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين