استقبال الكعبة في الصلاة والتبرّك بها هل هو عبادة لها؟ (10-17)

سؤال:

من الأسئلة الشائعة لدى غير المسلمين عن الإسلام: إذا كان الإسلام يحرم عبادة الأصنام، فلماذا إذن يعبد المسلمون الكعبة ويسجدون لها في صلواتهم، ويتبرّكون بأحجارها؟

الجواب:

الكعبة هي القبلة التي يتوجه إليها المسلمون في صلاتهم، امتثالًا لأمر الله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}[البقرة: 144]. ويطوفون حولها في الحج امتثالًا لأمر الله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}[الحج: 29]. لا أنّهم يعبدونها، ويسجدون لها؛ فإنّ المسلم لا يعبد إلا الله، ولا يسجد لأحد قط إلا لله سبحانه وتعالى.

وقدسية الكعبة ليست بحجارتها؛ فإنّ الحجارة تتبدّل، كما حصل أن هُدمت الكعبة أكثر من مرّة ثم أُعيد بناؤها، وقد كان بعض الصحابة -رضي الله عنهم- يصعدون على ظهرها إذا أرادوا الأذان، ولو كانت الكعبة تُعبد ويُسجد لها لما جاز أن يصعد عليها أحد! ولكنّ قدسية الكعبة بمكانها، الذي اختاره الله ليُبنى عليه بيته المحرّم. 

وهناك ثلاثة أحجار من أحجار الكعبة لها منزلة خاصّة وردت في الشرع، والمسلمون يتعبّدون الله تعالى بطاعته فيما شرعه لهم بشأنها دون زيادة، وليس ذلك من عبادتها، والخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما وقف أمام أحدها وهو الحجر الأسود قال: "إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ، لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ، وَلَوْلاَ أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ" متفق عليه؛ قال ذلك لأنّه خشي أن يعتقد البعض في الحجر الأسود ما كان يعتقده أهل الشرك في أوثانهم، فبيّن لهم أنّ استلامه اتباعٌ لهدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا غير.

أوّل هذه الحجارة: الحجر الأسود، وهو من حجارة الجنة، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (نَزَلَ الحَجَرُ الأَسْوَدُ مِنَ الجَنَّةِ، وَهُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ فَسَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ) رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن صحيح. وقد شرع لنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم أثناء الطواف تقبيله أو استلامه أو الإشارة إليه. ومنه يبدأ الطواف وإليه ينتهي.

والثاني: الركن اليماني، وهو الركن الجنوبي من الكعبة، وقد شرع لنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم استلامه أثناء الطواف. 

والأجر المترتب على استلامه هو والحجر الأسود -طاعةً لله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم- هو تكفير السيئات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اسْتِلَامَهُمَا يَحُطُّ الْخَطَايَا) أخرجه أحمد.

والثالث: مقام إبراهيم عليه السلام، وهو حجر كان يقف عليه إبراهيم عليه السلام وهو يبني الكعبة، وهو موضوع بجانب الكعبة، وقد أمرنا الله تعالى أن نصلي خلفه، قال تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125].

الحكمة من تحديد القبلة:

لا بد للمسلمين من جهة يستقبلونها في صلاتهم، وحجّهم، ودعائهم، وحتى لا يكونون متفرقين، كل فرد أو جماعة منهم تتوجه إلى جهة؛ فقد حددّ الله -تعالى- للمسلمين جهة واحدة يتجهون لها من أي مكان من العالم، وهي الكعبة.

الحكمة من اختيار الكعبة لتكون قبلة للمسلمين:

1- الكعبة هي قبلة أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام ، فقد بناها بمساعدة ابنه إسماعيل عليه السلام ، قال تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } [البقرة: 127]، ثم أمره الله تعالى أن يدعو الناس جميعًا للحج إلى بيته المحرّم، قال تعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج: 27].

2- التوجه للكعبة كان أحبّ إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ فإنه لما هاجر إلى المدينة أمره الله -تعالى- أن يتوجّه إلى بيت المقدس (قبلة أهل الكتاب)؛ فكان يدعو الله أن يحوّل القبلة إلى الكعبة، فاستجاب الله له: {قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} [البقرة: 144] .

3- تقع الكعبة جغرافيًا في منتصف اليابسة، وهذا يتضح تمامًا من النظر في الخرائط القديمة والحديثة للكرة الأرضية، وصور الأقمار الصناعية. 

وقد ثبت عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنّ قبلة الملائكة في السماء والتي تسمّى "البيت المعمور" تقع في السماء السابعة فوق الكعبة تمامًا.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين