ردود.. مطابقة للمواصفات (19)

بعد مشاهدة حلقة كرتون تلفزيوني، مات فيها البطل عدة مرات ثم رجع، تابعتها (ياسمينة)، التي لم يتجاوز عمرها سبع سنوات، توجّهت إلى جدّتها بسؤال مفاجئ، وقالت لها محدّقة في وجهها:

(تيتا، كلنا رح نموت؟)، أجابت الجدة بحذر: (نعم)، قالت ياسمينة: (وأنت ستموتين؟)، هزّت الجدة رأسها، لعلها تقطع سيل الأسئلة عند حفيدتها، فلا تغريها الإجابة بسؤال جديد، لكن ياسمينة تابعت استفساراتها، قالت: (متى ستموتين يا تيتا؟)، ضحكت الجدة من براءة الطفلة التي لم تشعر بالحرج، ولم تتردد بإخراج ما يجول في رأسها الصغير، فأجابتها مبتسمة: (لا أدري)، فما كان من ياسمينة إلا أن طرحت أصعب وأعقد أسئلتها، قالت: ( تيتا، لماذا لم يخبرنا الله متى سنموت؟)..

سؤال يُطرح: لماذا لم يخبرنا الله تعالى متى سنموت؟! 

ألا تدفعنا معرفتنا بتوقيت المغادرة إلى استثمار الحياة بشكل أفضل؟!

ألا يكون ذلك أدعى لأن نُجَدْوِل أعمالنا، ونغتنم أعمارنا؟!

والأهم من ذلك كله، قولوا لي بربكم، كيف نجيب الطفلة الذكية على هذا السؤال؟!

كل ما شغل بال الجدة آنذاك هو إيجاد مثال لطيف، بإمكان الحفيدة فهمه وقياسه، ويشرح لها في نفس الوقت الفكرة التي تود أن توصلها إليها، دون ذكر تفاصيل ومعلومات، تعقد الموضوع على الصغيرة.

احتضنت أم محمد ابنة ابنتها، ثم حملتها، وأجلستها على كرسي مقابلها، حتى يتسنى لها أن تنظر إلى وجهها، وتراقب انعكاس الكلام على ملامحها، ثم بدأت الحديث بصوت هادئ، وبوتيرة بطيئة، لتضمن متابعة الفتاة لها، واستيعابها لما تقول: (هل تذكرين يا ياسمينة يوم ذهبنا إلى مركز الألعاب مع ماما وبابا؟)، فتحت الطفلة عينيها، وأجابت بتركيز واضح: (اي تيتا)، فأكملت الجدة: (يومها أراد أبويك أن يزورا أصدقاء لهما، وتركانا وحدنا في المركز، وقالا لنا بأنهما سيعودان بعد ساعتين)، قالت ياسمينة: (صح تيتا)، فأرادت الجدة أن توجه ذاكرة الطفلة لأمر محدد، فقالت: (هل تذكرين ماذا كنت تفعلين كل الوقت؟)، أجابت ياسمينة بسرعة: (اي تيتا، كنت كل شوي وقبل ما ألعب أي لعبة، إسألك أديه بعد معنا وقت قبل ما يجي ماما وبابا؟)، سُرّت الجدة باستحضار حفيدتها هذا التفصيل المهم، وأرادت أن تبني عليه، فأكملت الحوار: (بم كنت تشعرين وقتها يا ياسمينة؟)، تغيرت ملامحها، وارتسمت على وجهها تكشيرة بريئة، ثم قالت: (كنت خايفة يرجعوا ماما وبابا، وياخدوني قبل ما أخلص كل الألعاب، كنت حس قلبي عم يدق بسرعة كل ما كنت إسألك عن الوقت)، استفسرت أم محمد قائلة: (كان الشعور حلو؟)، أكّدت الصغيرة عكس ذلك، وحرّكت رأسها بشدة يميناً ويساراً، فختمت الجدة الحوار الشائق قائلة: (هل عرفت يا حبيبتي لماذا لم يخبرنا الله تعالى متى سنموت؟ لأنه يحبنا، ولا يريد لنا أن نعيش حياتنا ونحن خائفون، ويريد منا أن نتحرك براحة، ولا نفكر بموعد الرحيل، بل نركز على عملنا، ونقوم بالمطلوب منا، ونحن متأكدون أنه سيعطينا أجرنا على كل أعمالنا، فلا يهمّ إذن متى سيحين موعد موتنا..)

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين