آيا صوفيا .. قبضة من حروف

من لم يقرأ التاريخ لن يفسّر الحاضر أو يفهم المستقبل، المعرفة والتحليل شرطان أساسيان للوصول إلى الحق والحقيقة وتفكيك الحدث . حملات الجهل والجاهلية التي تستهدف الإسلام والمسلمين تفصح عن أنواع كورونية تؤذي أصحابها أولا، وسيرتنا التي أبهرت كبار المؤرخين والمستشرقين في الإنصاف وقوة الروح لن تتزعزع أبدا لأنها سماوية الوجهة فيّاضة الخير والإنسانية والأخلاق الرفيعة الراقية، نحن مازلنا عند وصية جدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بأن لا نصلي داخل كنيسة القيامة وقتما تسلّم مفاتيح القدس الشريف في 13 رمضان سنة 15 ه كأنموذج للعهد والسلام، وحتى عندما أمر الحاكم الفاطمي المتطرف بهدمها سرعان ما أعاد ابنه الظاهر البناء في 418 ه 1027 م . لن أسهب في استعراض فضائلنا الحضارية والثقافية، إنما سألفت لبعض المعالم المتاحة تذكيرا قصيرا أمام خنفشارية إعلامية خليجية، وصونا لأمانة الكلمة وكلفة الوقت :

1 - انتشار رقعة الدولة المسلمة بالسيف هو جزء من صراع الحياة والأمم، لكن لم يثبت بأن هناك شعب واحد أو شخص واحد اعتنق الإسلام خوفا من السيف المزعوم .

2 - أكثر من 80% من حجم العالم الإسلامي الحالي، لم يفتح عسكريا ولا قتاليا بجهاد الدفع أو الطلب، إنما افتتح بالجهاد المدني من خلال دعاة وتجار وعلماء مسلمين .

3 - فتح الأندلس الذي يتذرعون به كان امتدادا استراتيجيا لأجل التغيير والبلاغ المبين ونحن لم نسمع عن قصور لطارق بن زياد وموسى بن نصير، أو مغانم ونهب وهدم .

4 - المؤرخون الغربيون والإسبان بالذات يشيدون بالفتح الإسلامي ويحترمونه، هم أقاموا تمثالا لعبد الرحمن الداخل في مدينة المنكب ويتحدثون عن مدنية الأندلس .

5 - آثارنا وبصماتنا العربية الإسلامية تحمل لإسبانيا سنويا 80 مليون سائح يصرفون من أموالهم 92 مليار يورو، أما جزيرة صقلية فلا تنقطع السياحة فيها طيلة السنة .

6 - الحروب الدينية هي غير الجهاد بآدابه وأخلاقه وغاياته الحقّانية، وهم من أطلقوا اسم الحروب الصليبية ولسنا نحن، كما أن المذهب الزيدي من أطلق اسم الروافض .

7 - عندما سقطت قرطبة سنة 1236 م قاموا فورا بتحويل مسجدها الجامع إلى كنيسة وكذلك مسجد طليطلة إلى كاتدرائية وكذلك مسجد الحمراء في غرناطة إلى كنيسة .

8 - وقتما تم طرد المسلمين واليهود من إسبانيا والبرتغال بسبب محاكم التفتيش المتعصبة، استقبلنا بكل رحابة حتى في قصور العثمانيين الأقلية اليهودية والدونمة .

9 - في فتح القسطنطينية سنة 1453 م اجتهد الخليفة المسلم محمد الفاتح في جعل آيا صوفيا مسجدا بعدما اشترى أصوله ووضع له وقفا، وهذا ماحصل مع مسجد دمشق .

10 - فتح القسطنطينية نفسه كان عملا ضروريا للدفاع عن النفس والشرق كله، وعمورية - مثلا - التي هدمها المسلمون بسبب ( وامعتصماه ) هي من أحياء أنقرة .

11 - مرسوم الرئيس مصطفى كمال أتاتورك بتحويل آيا صوفيا لمتحف كان اجتهادا بشريا يناسب سنة 1934 م، والآن في سنة 2020 م يناسب إعادة المكان لهويته .

12 - مجلس الدولة التركي هو أعلى سلطة إدارية في البلاد يضم 22 قاضيا من مختلف المشارب، صوّت بالإجماع على إلغاء قرار مؤسس الجمهورية التركية .

13 - تمت مراجعة يدوية لحوالي 27000 مستند قديم وقانوني، لأجل التأكد والتيقّن من ملكية هذا العقار وتحرير وثائقه بطريقة مهنية واحترافية ومسؤولة قبل القرار .

14 - جامع السلطان أحمد في الجوار وكل جوامع المسلمين باستثناء مكة المكرمة متاحة للجميع يزورونها وقتما يشاؤون، هناك تسامح معروف موروث بشأن ذلك .

أخيرا : أهنئ تركيا وكل المسلمين بهذا المرسوم القضائي المتصالح مع الذات، والحق يعلو ولا يعلى عليه .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين