سؤال عن حديث صلاة البتيراء

سألني الشيخ العالم محمد نعمة الله الندوي المقيم في الإمارات العربية المتحدة عن عثمان بن ربيعة أحد الرواة في حديث البتيراء الذي روي عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صلاة البتيراء.

وهو الحديث الذي يعتمده الحنفية في رد الإيتار بركعة واحدة، أخرجه المحدثون منهم: الحافظ الزيلعي، والعلامة بدر الدين العيني، والعلامة عبد الحي اللكنوي وغيرهم من طريق ابن عبد البر.

من أخرجه:

قلت: هذا حديث لم يخرجه أصحاب الأصول الستة، ولا أصحاب المسانيد والمعاجم، ولا سائر المصنفين في كتبهم، ولا يعرف إلا عن ابن عبد البر، قال في التمهيد: أخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف، أخبرنا أحمد بن محمد بن إسماعيل بن الفرج، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا الحسن بن سليمان قبيطة، حدثنا عثمان بن ربيعة بن أبي عبد الرحمان، حدثنا عبد العزيز بن محمد الداروردي، عن عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن أبي سعيد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن البتيراء أن يصلي الرجل ركعة واحدة يوتر بها.

الكلام في عثمان بن محمد:

وهذا الحديث مداره على عثمان بن محمد بن أبي ربيعة، وليس من رجال تهذيب الكمال، ولم يوثقه أحد، وأنقل هنا كلام أهل العلم فيه.

قال ابن عبد البر بعد إخراجه لحديثه: "هو عثمان بن محمد بن أبي ربيعة بن عبد الرحمان، قال العقيلي الغالب على حديثه الوهم".

وقال عبد الحق في الأحكام الوسطى 2/50: "في إسناده عثمان بن محمد بن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، والغالب على حديثه الوهم".

وقال الذهبي في ميزان الاعتدال: "عثمان بن محمد بن ربيعة بن أبي عبد الرحمن المدني، قال عبد الحق في أحكامه: الغالب على حديثه الوهم ... قال ابن القطان: هذا حديث شاذ لا يعرج على رواته".

وقال الحافظ ابن حجر في لسان الميزان: "عثمان" بن محمد بن ربيعة بن أبي عبد الرحمن المدني، قال عبد الحق في أحكامه: الغالب على حديثه الوهم، ... وقال الدارقطني في (غرائب مالك): حدثنا أبو بكر النيسابوري، ثنا الحسن بن سليمان المعروف بقبيطة بمصر، ثنا محمد بن عثمان ابن ربيعة بن عبد الرحمن، ثنا مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما رفعه: "من خبب عبدا على مولاه فليس منا". قال الحسن: سأله لنا أبو الطاهر عنه. قال الدارقطني: تفرد به قبيطة وهو عندي منكر بهذا الإسناد، ومحمد بن عثمان ضعيف.

ضعف الحديث:

قلت: فهو حديث ضعيف، بل شاذ، وقال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام 3/154: "هذا حديث شاذ لا يعرج على رواته".

وقال ابن رجب في فتح الباري في كتاب الوتر: وروى ابن عبد البر بإسناد فيه نظر، عن عثمان بن محمد بن ربيعة عن الدراوردي، عن عمرو بن يحيى عن أبيه، عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن البتيراء، أن يصلي الرجل ركعة واحدة، يوتر بها. وعثمان هذا، قال العقيلي: الغالب على حديثه الوهم. وقبله في الإسناد من لا يعرف. وقد روي هذا مرسلا، خرجه سعيد بن منصور من حديث محمد بن كعب القرظي مرسلا.

وقال العلامة عبد الحي اللكنوي في التعليق الممجد على موطأ الإمام محمد: في سنده عثمان، وهو متكلم فيه، قال ابن التركماني: لم يتكلم عليه أحد بشيء فيما علمنا غير العقيلي وكلامه خفيف. وقد أخرج له الحاكم في "المستدرك". الجوهر النقي 3/27، فقد ذكر ابن القطان في كتاب "الوهم والإيهام": هذا الحديث من جهة ابن عبد البر، وقال: الغالب على حديث عثمان بن محمد بن ربيعة الوهم.

تأويل آخر للحديث:

قلت: والحديث لا يصح كما قدمنا، ويمكن أن يؤول إلى ما يوافق الأحاديث الأخرى في الباب والتي تُخيِّر بين الإيتار بثلاث أو أو أقل أو أكثر، قال ابن القيم في إعلام الموقعين 4/222 وهو يتكلم عن "نهى عن البتيراء": "وهذا لا يعرف له إسناد لا صحيح ولا ضعيف، وليس في شيء من كتب الحديث المعتمد عليها، ولو صح فالبتيراء صفة للصلاة التي قد بتر ركوعها وسجودها فلم يطمئن فيها".

قلت: هذا الذي قاله ابن القيم في تفسير البتيراء مروي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. رواه البيهقي في (المعرفة) بسنده عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي منصور مولى سعد بن أبي وقاص قال: سألت عبد الله بن عمر عن وتر الليل، فقال: يا بني هل تعرف وتر النهار؟ قلت: نعم هو المغرب، قال: صدقت، ووتر الليل واحدة، بذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا أبا عبد الرحمن! إن الناس يقولون هي البتيراء، قال: يا بني ليس تلك البتيراء، إنما البتيراء أن يصلي الرجل الركعة يتم ركوعها وسجودها وقيامها ثم يقوم في الأخرى ولا يتم لها ركوعا ولا سجودا ولا قياما فتلك البتيراء انتهى.

قلت: ويحتمل أن يراد بصلاة البتيراء الصلاة الشاذة التي لا صلاة قبلها ولا بعدها، ومن صلى ركعة واحدة وقد ضمها إلى غيرها فليست صلاته بتيراء.

وقلت: لقد أخطأ من أصر على هيئة واحدة للوتر لا يجوز غيرها، وهي أن تكون الركعات الثلاث كلها بتسليمة واحدة، بل الظاهر من الأحاديث والآثار التخيير في ركعات الوتر، والأمر في ذلك سهل، وليس هذا بموضع بيانه، والله أعلم بالصواب.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين