سؤال عن حديث في صحيح مسلم

سألني الشيخ يوسف الصادق الأستاذ في دار العلوم بديوزبري، المملكة المتحدة عن الحديث التالي في صحيح مسلم، كتاب الطهارة، باب الوضوء من المذي:

وحدثني هارون بن سعيد الأيلي، وأحمد بن عيسى، قالا: حدثنا ابن وهب، أخبرني مخرمة بن بكير، عن أبيه، عن سليمان بن يسار، عن ابن عباس، قال: قال علي بن أبي طالب: أرسلنا المقداد بن الأسود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله عن المذى يخرج من الإنسان كيف يفعل به؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ‏توضأ وانضح فرجك.

وأخرجه النسائي في سننه، في الغسل والتيمم، باب الوضوء من المذي، قال: أخبرنا أحمد بن عيسى عن ابن وهب وذكر كلمة معناها أخبرني مخرمة بن بكير عن أبيه عن سليمان بن يسار عن ابن عباس قال قال علي رضي الله عنه أرسلت المقداد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله عن المذي فقال توضأ وانضح فرجك. قال أبو عبد الرحمن: مخرمة لم يسمع من أبيه شيئا.

قال الأستاذ يوسف الصادق: كيف أخرجه مسلم في صحيحه، وقد قال النسائي: مخرمة لم يسمع من أبيه شيئا؟

قلت: عندي عن هذا السؤال جوابان: جواب عام، وجواب خاص.

أما الجواب العام، فليعلم أن الشيخين البخاري ومسلم قد يخرجان حديثا تُكلم فيه لأسباب، منها أنهما مجتهدان في التصحيح والتضعيف، فقد يكون الحديث ضعيفا عند غيرهما وصحيحا عندهما، ومنها أنهما يخرجان الحديث الذي تكلم فيه متابعة، ويحتمل في المتابعات والشواهد ما لا يحتمل في الأصول، ومنها أنهما قد يوردان الحديث الضعيف لبيان علته، وهذا يفعله مسلم كثيرا.

وأما الجواب الخاص فهو متعلق بالحديث المسؤول عنه، وتفصيله:

أن حديث علي هذا أخرجه مسلم أولا من طريق الأعمش عن منذر بن يعلى عن محمد بن الحنفية عن علي، وأورد إلى الأعمش إسنادين: عن أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع وأبي معاوية وهشيم عن الأعمش به، وعن يحيى بن حبيب الحارثي عن خالد بن الحارث عن شعبة عن الأعمش به.

وأخرجه البخاري أيضًا من طريقين عن الأعمش: أخرجه في العلم، من استحيا فأمر غيره بالسؤال عن مسدد عن عبد الله بن داود عن الأعمش به، وأخرجه أيضًا في الوضوء، باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين عن قتيبة عن جرير عن الأعمش به.

فبنى مسلم الباب على حديث الأعمش عن منذر بن يعلى عن محمد بن الحنفية عن علي، وحديث الأعمش من كلا طريقيه من الأصول المعتمدة في الصحيحين.

وأخرج مسلم حديث مخرمة بن بكير، عن أبيه، عن سليمان بن يسار، عن ابن عباس، عن علي متابعة.

وحديث مخرمة هذا فيه مسألتان:

الأولى: الاختلاف على سليمان بن يسار، فرواه عبد الله بن وهب عن سليمان بن يسار عن ابن عباس عن علي كما مر من تخريج مسلم والنسائي.

ورواه الليث بن سعد عن سليمان عن علي مرسلا، أخرجه النسائي في الموضع نفسه، قال: أخبرنا سويد بن نصر، قال: أنبأنا عبد الله عن ليث بن سعد عن بكير بن الأشج عن سليمان بن يسار قال: أرسل علي بن أبي طالب رضي الله عنه المقداد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله عن الرجل يجد المذي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يغسل ذكره ثم ليتوضأ.

ورواه مالك عن أبي النضر عن سليمان منقطعا، أخرجه النسائي أيضًا في الموضع نفسه، قال: أخبرنا عتبة بن عبد الله، قال: قرئ على مالك وأنا أسمع، عن أبي النضر، عن سليمان بن يسار، عن المقداد بن الأسود، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أمره أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل إذا دنا من المرأة فخرج منه المذي، فإن عندي ابنته وأنا أستحيي أن أسأله، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: إذا وجد أحدكم ذلك فلينضح فرجه وليتوضأ وضوءه للصلاة.

والثانية: سماع مخرمة من أبيه، وقد اختلف فيه، قال أبو طالب سألت أحمد بن حنبل عن مخرمة بن بكير فقال: هو ثقة ولم يسمع من أبيه شيئا إنما يروي من كتاب أبيه، وقال أبو بكر بن أبي خيثمة سمعت يحيى بن معين يقول: مخرمة بن بكير يقال وقع إليه كتاب أبيه ولم يسمعه، وقال أبو داود لم يسمع من أبيه الا حديثا واحدا وهو حديث الوتر، وقال سعيد بن أبي مريم عن خاله موسى بن سلمة أتيت مخرمة فقلت: حدثك أبوك؟ قال: لم أدرك أبي ولكن هذه كتبه، وقال أبو بشر الدولابي عن أحمد بن يعقوب حدثنا علي بن المديني قال: سمعت معن بن عيسى يقول: مخرمة سمع من أبيه وعرض عليه ربيعة أشياء من رأي سليمان بن يسار، قال علي ولا أظن مخرمة سمع من أبيه كتاب سليمان لعله سمع الشيء اليسير ولم أجد أحدا بالمدينة يخبرني عن مخرمة بن بكير أنه كان يقول في شيء من حديثه سمعت أبي قال، وقال ابن أبي أويس وجدت في ظهر كتاب مالك سألت مخرمة عما يحدث به عن أبيه سمعها من أبيه فحلف لي ورب هذه البنية يعني المسجد سمعت من أبي، قال أبو حاتم إن كان سمعها من أبيه فكل حديثه عن أبيه إلا حديثا يحدث به عن عامر بن عبد الله بن الزبير، وقال أبو أحمد بن عدي: وعند ابن وهب ومعن بن عيسى وغيرهما عن مخرمة أحاديث حسان مستقيمة وأرجو أنه لا بأس به. (من ترجمة مخرمة في تهذيب الكمال).

قال الدارقطني: وأخرج مسلم حديث ابن وهب عن مخرمة عن أبيه عن سليمان بن يسار عن ابن عباس قال قال علي: أرسلت المقداد في حديث المذي. وقال حماد بن خالد: سألت مخرمة سمعت من أبيك شيئاً؟ قال: لا، وقد خالفه الليث عن بكير عن سليمان، فلم يذكر ابن عباس وتابعه مالك عن أبي النضر أيضاً. (الإلزامات والتتبع 417-418)

وأخرجه البزار في مسنده، وقال: ولا نعلم روى سليمان بن يسار، عن ابن عباس، عن علي إلا هذا الحديث. ولا له إسناد إلا هذا الإسناد.

قلت: العذر لمسلم رحمه الله – كا مضى - أنه أخرجه متابعة، واختار أصح طرقه، وهو حديث ابن وهب عن مخرمة، واعتمد حديث الأعمش عن منذر عن ابن الحنفية عن علي، فلا يتجه اعتراض على مسلم رحمه الله، والحمد لله.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين