مفهوم الأمَّة بين النظريات الاجتماعية والتصور الإسلامي(1)

- القوميَّة مرحلةٌ تمرُّ بها الشعوب عبر تاريخها، ثم تمضي مُتجهة نحو الالتقاء في الإنسانية الكبيرة.

- إنَّ عوامل العقيدة والثقافة هي عوامل إراديَّة تتجلى فيها حريَّة الإنسان في الانتماء.

- الوقوف بالأمَّة عند مرحلة العصبيَّات العرقيَّة جمودٌ ورجعيَّة مذمومة وتخلُّف وانحطاط، وجعلها الهدف والغاية ضربٌ من الوثنية.

- الإيمان بالله تعالى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي الصفات الجامعة المشتركة بين أفراد الأمَّة وهي سبب تفضيلها وجعلها خير أمة.

- رابطة الدين لدى التحليل العلمي لمضمونها هي رابطة في المفاهيم الأساسية والقيم العليا والكرامة الإنسانية.

- الأمَّة في المفهوم الإسلامي مجتمع يشترك أفراده في العقيدة ومفاهيم الحياة وفي القيم الخلقية والمثل الإنسانية.

- الأمَّة من الأم مصدر أمّ، أي: قصد؛ فوحدة القصد والاتجاه هي جوهر مفهوم الأمَّة.

- الصراع بين الإسلام والقومية العنصرية صراع بين التقدم والتخلف، وبين التحرُّر والتبعيَّة وبين الإنسانيَّة والعنصريَّة.

- الافتخار بالنسب القومي العنصري والازدراء بالآخرين لنسبهم أو لونهم جاهليَّة مُنحطَّة وعصبية ذميمة.

لقد كان مفهوم (الأمَّة) موضوع أبحاث كثيرة لعلماء الاجتماع والعلماء الباحثين في العلوم السياسية والحقوق الدستورية طوال هذا القرن، وليس هذا التوقيت بغريب، وذلك أن تَكَوُّنَ الأممِ الأوروبية كفرنسا وألمانيا وانكلترا كان نتيجة تطور طويل خلال القرون القريبة التي سبقت، والتي حصل فيها انصهار تدريجي بالنسبة لكل واحدة من تلك الأمم لعدد من الجماعات العرقيَّة أو القبائل التي استقرَّت في أرضها وتجاورت وتفاعلت فيما بينها.

ففي فرنسا: حصل التمازج بين قبائل الفرنك والقوط والسلتيين والنورمانديين والغوليين وغيرهم في اللهجات والعادات والتقاليد والتشريع، حتى تكوَّنت الأمَّة الفرنسية الحالية، وكذلك في إنكلترا حيث حصل التمازج بين الأيكوسيين والسكوتلانديين والولز وغيرهم، وهنالك نظريات غريبة مُتعدِّدة في موضوع الأمَّة والقوميَّة.

النظرية الفرنسية:

ويمكن أن نأتي بمثلين لها، أحدهما من علماء الحقوق وهو (هوريو)، والثاني من المفكرين والفلاسفة وهو (رينان). 

يعتبر الحقوقي الفرنسي (هوريو) أنَّ ظهور القوميَّات مُقترن في الزمن مع مرحلة الاستقرار على الأرض وحلول قرابة معنويَّة محل القرابة العرقيَّة تقوم على وحدة الشعور والتفكير والتصرُّف، وذلك نتيجة المساكنة الطويلة ووحدة الأصل، أو العِرْق، ووحدة اللغة والعقيدة التي تنتهي إلى هذه الوحدة الروحية والقرابة المعنوية، ويمكن أن ينصهر المهاجرون في تلك النواة الأصلية المشتركة في العرق، ويندمجوا في تلك القومية ما دامت نسبهم ضئيلة، وحينما تتحول تلك القومية إلى دولة أو تقيم دولة تصبح كائناً كاملاً (الموج. في الحقوق الدستورية طبع باريز 1923).

نظرية رينان:

واشتهر الكاتب والمفكر الفرنسي (أرنست رينان) (1823-1892) بنظريته في القومية القائمة على فكرة الإرادة المشتركة والرغبة في الحياة المشتركة، التي كوَّنتها ذكريات الماضي في انتصاراته ومكاسبه وأحزانه ومآسيه، والقوميَّة في نظره مبدأ معنوي روحي، وهي تضامنٌ كبير يكونه الشعور بتضحيات الماضي، والعزم على تقديم مثلها في الحاضر والمستقبل [ما هي القومية – باريز 1921].

هذه هي الفكرة التي اشتهرت نسبتها إليه، والفرق بينه وبين غيره من المفكرين الاجتماعيين هو أنه يجعل الإرادة الحرَّة والرغبة المشتركة أساساً في القوميَّة، في حين أن غيره مثل (هوريو) الذي تقدَّم ذكره يرى أنَّها قدر تاريخي، ونتيجة لعوامل تاريخيَّة مُتعدِّدة من أرض مُشتركة، وأصل عرقي، وتقاليد وتاريخ، ولغة أدَّت إلى هذا التكوين المشترك، وليس تلك الرغبة التي ظاهرها الاختيار الحر إلا حتمية تاريخية ونتيجة ضرورية لتلك العوامل.

لئن كانت هذه الفكرة مشتهرة عن رينان فإنَّ له أفكاراً أخرى إلى جانبها لم تُعرف ولم تشتهر مع أنها مهمة جداً تلفت النظر وتعبِّر عن حقيقة يغفل عنها الهائمون بالفكرة القوميَّة.

يقول (رينان) في بحثه (ما هي القوميَّة): القوميَّات ليست شيئاً خالداً، لقد بدأت وستنتهي، وربما يخلفها الاتحاد الأوروبي، ولكن هذا هو قانون العصر الذي نعيش فيه، ثم يقول أيضاً: إنَّ المواهب المختلفة بل المتعارضة للقوميات تخدم عمل الحضارة المشترك، فكلها تسهم في موكب الإنسانية الكبيرة التي هي الحقيقة العليا المثالية التي سنبلغها.

انتَبَهَ هذا المفكِّر الفرنسي الذي عاش في القرن التاسع عشر إلى حقيقة، وهي أنَّ القومية مرحلة تمرُّ بها الشعوب عبر تاريخها ثم تمضي مُتَّجهة نحو التقاء الشعوب فيما أسماه (الإنسانيَّة الكبيرة) واعتبر أنَّ هذا الالتقاء بين القوميَّات على الصعيد الإنساني حقيقة عُليا ومثاليَّة تتطلع البشريَّة إلى بلوغها في المستقبل لما فيها من تكامل مواهب الشعوب، واجتماع خصائصها المتفرِّقة، وتعاونها على إقامة حضارةٍ مُشتركة، ولنا إلى هذه الفكرة عودة إن شاء الله فيما سيأتي من البحث لعرض النظريَّة التي كنتُ صُغتُها مُستمداً عناصرَها الأساسية وفكرتها الجوهرية من القرآن الكريم، وقدَّمتُها في كتابي (الأمَّة والعوامل المكوِّنة لها) الذي نشرتُه من نحو بضع وعشرين سنة في طبعته الأولى.

النظرية الألمانية:

إنَّ ما عرضناه من نظريات العالِمَيْن الفرنسيين يمثل النظرية الفرنسيَّة على اختلاف وجهات نظر أصحابها، وهناك إلى جانبها النظرية الألمانية التي هي نظرية عنصرية غير علميَّة يتجلى فيها التعصب العنصري والعنجهيَّة القومية والطغيان العرقي والرغبة العدوانية في السيطرة على الشعوب الأخرى، ولا عجب بعد ذلك أن تكون القومية حقيقة خالدة عند هؤلاء، وأن تكون ديناً يحلُّ محلَّ الأديان، ويمثل هذا الاتجاه الفيلسوف الألماني (فيخته) والذي عبَّر عنه في ندائه المشهور للشعب الألماني، ويتَّجِه فيه اتجاهاً عاطفياً رومانتيكياً مُثيراً للعواطف الجماعيَّة العارمة الجامعة، ويستغرقُ في ضرب من الصوفية التي تقوم فيها القومية مكان الإله الذي يَفْنى في عبادته العابدون.

وقد تأثَّر بهذا الفيلسوف القومي جطيل من المثقفين الأتراك والعرب في القرن الماضي، ولا تزال رواسب هذا التيار الرجعي المعاكس لواقع التطور البشري والتقدم الإنساني والحضاري ماثلة في الفكر العربي المعاصر وفي الأحزاب العربية تدفعه وتقويه القوى الأجنبية من الخارج، والدوافع الخاصَّة في الداخل، رغبة في حصر العرب في قمقم القومية الضيق وإقصائهم عن القيادة العالمية، وعن منافسة الأيديولوجيات والأديان الأخرى على الساحة العالمية.

رأي الدوس هلكسلي الفيلسوف الإنكليزي:

يرى هذا الفيلسوف أنَّ المذهب القومي هو أحد أسباب الحرب الأساسيَّة وأنَّ المذهب القومي – أيَّاً كان – دين وثني، والدولة فيه هي الإله مُتمثلاً في شخصٍ طاغية أو مُستبد، وأنَّ هؤلاء الطغاة المستبدين يوقنون باستمرار شعلة الغرور القومي، وأن هذا الغرور والكبر يولد احتقار الآخرين وكرههم.

إن ما يسمى (بالشرف القومي) و (المجد) و (المصالح الحيوية) هي من أهم أسباب الحروب في رأيه وهو يرى في القومية – أي المذهب القومي – وفي الشيوعية دينين وثنيين أحلَّ كل منهما في الاعتبار والتقدير جزءاً من الوجود – القومية المؤلهة والطبقة المؤلهة – محل الوجود كله، واستبطن الحقد والكبر والقسوة وفرض التعصب الذي لا تسامح فيه [كتابة الغايات والوسائل، فصل: الحرب].

خلاصة رأينا في الموضوع:

من استعراض أشكال الجمع البشري عبر التاريخ، والنظر في مراحل تطورها، نلاحظ أنها تسير من التجمعات الصغيرة في شكل قبائل، إلى تجمعات أكبر تلتقي فيها القبائل المتجاورة في المكان، والمتقاربة في الأصول والأعراق، والمتجانسة في العادات واللهجات فتتبادل التأثير وتزداد الموافقات والمشاركات، وتقل الفوارق حتى يتكون فيها شعب أو قوم تتوحد لغته وتشريعه وسياسته ومصالحه، ويغلب عليه دين واحد يسوده كله أو أكثر.

وهاتان المرحلتان مرَّت بهما جميع الأمم والأقوام المنتشرة في الأرض وإن اختلفت في زمن الانتقال من مرحلة إلى مرحلة، أي: أنَّ مرحلة تَكوُّن الأمم القوميَّة حصلت بالنسبة لبعضها منذ قرون بعيدة وبعضها تتكون قومياتها في العصر الحاضر ولا تزال آثار المرحلة الأولى ورواسبها موجودة ماثلة في أكثر أمم الأرض.

والروابط بين الأفراد في المرحلة الأولى التي يمكن أن نسميها (الأمَّة القبيلة) تتركز في الاشتراك في سكنى أرض واحدة، والاشتراك في الانتماء إلى أصلٍ واحدٍ، أي: نسب واحد، وتتعقَّد الرابطة في المرحلة الثانية، مرحلة الأمَّة القوميَّة فتزداد أهميَّة اللغة والدين والعادات والتقاليد والثقافة، أي: العوامل المعنوية والفكرية، ويصبح من الممكن انصهار فرد أو أفراد من خارج القوم عن طريق اللغة والثقافة والدين، والمظهر المادي لهذا الانصهار والتعبير السياسي عنه هو التجنس.

ثم تستقبل البشرية مرحلة ثالثة تتقارب فيها مجموعة من الشعوب في العقيدة والمفاهيم والأفكار الأساسية وفي التشريع والنظم في الثقافة وأسلوب الحياة، ويضعف تأثير العِرْق والدم وتأثير الأرض، أي: العوامل الماديَّة القسريَّة في مُقابل قوة العوامل التي اختصَّ بها الإنسان وتميَّز بها من سائر الأحياء، وهي عوامل العقيدة والثقافة، وهي عوامل إرادية إلى حدٍّ كبير تتجلى فيها حريَّة الإنسان في الانتماء.

إنَّ هذه المرحلة هي أرقى المراحل لأنها تتجه بالبشر نحو الالتقاء على صعيد واحد، ونحو إزالة العصبيات العرقيَّة القوميَّة، والتنافس القومي المؤدي إلى الحروب والتمييز العنصري، ونحو تقوية الرابطة الإنسانية والتعارف بين البشر والتعاون بين الشعوب في جميع المجالات.

إنَّ الوقوف بالأمَّة عند مرحلة (القوميَّة) جمود بل رجعية مذمومة وتخلف وتأخر، وإن جعل القومية هي الهدف والغاية ضرب من الوثنية، وجعل روابطها هي العُليا أمر غير أخلاقي ولا إنساني، وإنما هو عصبية قد تتعارض مع الحق، وتسبب الحروب، وتمنع التقدم الإنساني.

الأمَّة في المفهوم الإسلامي:

إنَّ القرآن الكريم وصف واقع البشرية في تطورها من القبيلة إلى الشعب أو القوم، ثم التجمُّع على الصعيد الإنساني العام، وذلك في قوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٞ١٣﴾ [الحجرات: 13]. 

لقد بدأت الآية الكريمة بمخاطبة الناس جميعاً، وانتهت إلى التعارف الإنساني، ومرَّت فيما بينهما بمرحلتي القبائل والشعوب.

وإنَّ الأنبياء كما يعرض القرآن الكريم قصص دعوتهم، منهم من أرسل إلى قبيلة، وذلك مثل صالح المرسل إلى قبيلة ثمود، وهود المرسل إلى قبيلة عاد، ويونس الذي أرسل إلى مائة ألف أو يزيدون، ومنهم من أُرسل إلى قومٍ مثل نوح وإبراهيم وموسى وعيسى صلوات الله عليهم: ﴿وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦٓ ﴾ [هود: 25] ﴿وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوۡمِهِ ﴾ [الزخرف: 26] ﴿وَءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَجَعَلۡنَٰهُ هُدٗى لِّبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ﴾ [الإسراء: 2] ﴿وَإِذۡ قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُم﴾ [الصف: 6]. 

أما المرحلة الأخيرة التي هي مرحلة التجمُّع الإنساني المفتوح لجميع الشعوب والأقوام فهي التي تقابل بعثة خاتم النبيين الذي جعلت رسالته للعالمين، أي: إلى الناس جميعاً، والذي أمر أن يكون الخطابُ على لسانه في القرآن خِطاباً مُوجَّهاً إلى الناس كافة لا إلى قومه العرب: ﴿قُلۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُمۡ جَمِيعًا﴾ [الأعراف: 158] ﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا كَآفَّةٗ لِّلنَّاسِ﴾ [سبأ: 28] ﴿تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلۡفُرۡقَانَ عَلَىٰ عَبۡدِهِۦ لِيَكُونَ لِلۡعَٰلَمِينَ نَذِيرًا﴾ [الفرقان: 1]، ﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا رَحۡمَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ١٠٧﴾ [الأنبياء: 107].

وقد أطلق القرآن على المستجيبين لدعوته والمؤمنين به وبرسالته مهما اختلفت نسبتهم القبلية والقوميَّة (أمَّة) وهي الأمَّة الإسلاميَّة، وقد حدَّد القرآن الكريم صفاتها، إذ قال: ﴿كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِۗ﴾ [آل عمران: 110].

فالإيمان بالله تعالى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي الصفات الجامعة المشتركة بين أفراد هذه الأمَّة، وهي سبب تفضيلها وجعلها (خير أمة) وهذا الكلام يَنطبق على المسلمين لا على غيرهم، وكذلك قوله تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةٗ وَسَطٗا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيۡكُمۡ شَهِيدٗاۗ﴾ [البقرة: 143]، فالخطاب هنا كذلك للمؤمنين به بدليل أنَّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم شهيد عليهم وهم شهداء على بقية الناس.

خطاب للمسلمين كافَّة:

ويخطئ الذين يفسِّرون هذه الآية على أنَّها خطاب للعرب كل الخطأ، وإنَّما هي خطاب للمسلمين سواء أكانوا عرباً أو غير عرب.

وذلك لأنَّ الإسلام في مصدريه: القرآن والسنة، جاء بالأفكار والمبادئ التالية التي تنافي مثل هذا التفسير، وتنافي كلَّ اتجاه نحو العصبيَّة القوميَّة وتمجيد قومية بعينها، أو اعتبار خدمتها غاية وهدفاً وهذه هي المبادئ:

1 – إنَّ الله تعالى خلق البشر مُوزَّعين قبائل وشعوباً ولكنهم جميعاً بشر سماهم تارة بني آدم، وتارة (الناس) وأخرى (عباد الله).

2 – إنَّ الغايةَ التي يَنْتَهون إليها هي التعارف بينهم: {ليتعارفوا}، وبالتالي التعاون.

3 – لا فضل بالانتساب إلى قومٍ أو قبيلة لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى): ﴿إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٞ١٣﴾ كما تنصُّ الآية الكريمة.

4 – النهي عن التفاخر بالأنساب ووصفه بأنه من صفات الجاهلية.

5 – لا اختلاف في الشريعة الإسلامية بين المسلمين المنتسبين إلى مختلف القوميات، وإنما قد يحصل الاختلاف بسبب اختلاف الدين ولو اتفقت القومية.

6 – وصف الله تعالى المؤمنين بأنهم إخوة وصفاً حصرياً في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةٞ ﴾ [الحجرات: 10].

7 – أوجبَ الإسلام التناصر والموالاة بين المؤمنين – بالإسلام – دون أي اعتبار للاشتراك في القومية أو عدم الاشتراك، ومنه مناصرة الكافرين بالإسلام وموالاتهم من دون المؤمنين، كما يتجلى ذلك في الآيات الواردة في آخر سورة الأنفال، وهي طبعاً موالاة في الحق الذي أمر الإسلام به، وفي الحديث: (المسلمون تتكافأ دماؤهم وهم يدٌ على من سِواهم).

8 – منع الإسلام التوارث بين المسلمين وغير المسلمين ولو كانوا من قومية واحدة بل من نسب واحد، وشرع التوارث بين المسلمين.

9 – لقد جعل القرآن الكريم الاختلاف في العقيدة بين نوح عليه السلام وابنه، وإبراهيم عليه السلام وأبيه، ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم وعمه عبد العزى الذي لقَّبه القرآن الكريم بأبي لهب سبباً للفصل بينهم في الارتباط الاجتماعي، وذلك مما يجعل رابطة العقيدة والدين أعلى وأوثق وأولى من رابطة النسب والقومية.

فالأمَّة التي عناها القرآن الكريم والحديث النبوي هي تلك الجماعة الكبيرة التي تربط بينهما العقيدة والدين، ورابطة الدين – لدى التحليل العلمي لمضمونها – هي رابطة في المفاهيم الأساسيَّة والحقائق الكبرى والقيم العُليا، وفي الإنسانية والكرامة الإنسانية، وفي التشريع المبني على الحق، وفي العقيدة المبنيَّة على الحقيقة، وعلى التصوُّر الصحيح للوجود، هذه الرابطة إذن تكتُّل حولَ الحقِّ والحقيقة والخير والفضيلة، وكلُّ تكتُّل آخر هو تكتل مبني على العصبية أو على الظلم أو الشر أو الرذيلة أو المنفعة المحصورة بفئة خاصَّة، أو على تصور ناقص للحقيقة وللحق.

ونأتي هنا في بحثنا استعراض لفظ (الأمَّة) في الآيات القرآنية التي وردت فيها، وما تدل عليه من المعاني وبنتيجة ذلك تحديد مفهومها.

[للمقال تتمة]

المصدر: مجلة الأمَّة، لندن، محرم 1402هـ.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين