نختلف ونتقبل بعضنا كما نحن

يسعنا الاختلاف والتعدد، وكم من رحمة في فقه الاختلاف والتسامح، وكم من خير في أن نتعاون فيما نتفق عليه، ونتسامح فيما اختلفنا فيه، ونتحاور حوله بكل حب وحسن ظن واحترام.

والدعوة إلى سبيل الله على بصيرة بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن هما وجهتنا التي نجتهد جميعا في بلوغها، ولا يزكي أحد منا نفسه، ويزعم أنه أغير على شرع الله من أخيه المختلف...

ماذا لو تنوعنا تنوع سلفنا رضي الله عنهم في أداء صلاة العصر ببني قريظة، فلم يعنف صلى الله عليه وسلم واحدا منهم. ماذا لو توزع فقهنا المعاصر للشريعة بين مدرستي رخص ابن عباس وعزائم ابن عمر ولا نكير..

ماذا لو استوعب أهل الرأي وأهل الأثر العصريون شرعية كل منهما جنبا إلى جنب مع أخيه المختلف في الدعوة والفقه والسلوك.

لماذا نضيق واسعا من فقه نصوص الشريعة تستوعبه مدرستا الظاهر والمقاصد، والمذهبية واللامذهبية، وفقه التراث وفقه العصر.

لا غضاضة في أن نعترف بأننا مختلفون ولو كنا على منهج واحد، فينا الشافعي والحنفي والحنبلي والصوفي والسلفي والإخواني، لكننا نسعى جميعا لغاية واحدة، وعليه فإبراز كل قضية مما نختلف فيه كأنها أمر منكر يخالف الصواب، والتهكم بها أمر قد لا يدعم بيئة صفاء وتعاون بيننا، ويضعف هدفنا المشترك الذي نضعف عن بلوغه مجتمعين في ظل اجتماع أهل الباطل على اختلاف مشاربهم، فما بلوغنا له متنازعين؟!

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ)

لنختلف بود واحترام وثقة، وماذا علينا لو كان فقهنا أن رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأيك صواب أيضا ويحتمل الخطأ، نصيب الحق أو الأجر وكلاهما غاية.

من يدعو لطهارة الفم مرضاة للرب سبحانه بفرشاة الأسنان ليس مخالفا لمن كان يدعو لطهارة الفم بعود الأراك من قبل، ومن يوجه للتبرع بالدم لدى مختص طبي بدلا من الحجامة لدى شخص لا يكاد يحيط بأمراض الدم الحساسة ولا يتخذ التدابير الكافية للوقاية منها، مثل هذا قد يحقق مقصد الحجامة الطبي، مع نفع مريض آخر بهذا الدم المتبرع به. قد لا ترى ذلك ولكننا نتفهم باحترام وجهة نظر غيرنا..

من يدعو الناس لتمثل آداب اللياقة العصرية، والأكل بالملعقة لا اليدين لا يخالف السنة..

من لا يلعق صحنه في الموائد الرسمية ليس مفرطا بالهدي النبوي، ومن تنزل لقمته في فندق عام إلي الأرض فلا يتتبعها ويميط الأذى (الظاهر) عنها ويأكلها قد يمنعه مقصد أجلّ، كخوف عدوى أو خصوصية مكان أو مكانة، وليس من يسعى في إظهار ذلك بأحكم ولا أعلم ولا أسلم بالضرورة ممن يخالفه..

من يجنب الناس عثرات التوجه لدجاجلة يطرحون وصفات حساسة لأعتى الأمراض باسم الطب النبوي، فيطرحون قسطا هنديا أو شربة عسل أو الحبة السوداء لمن يقول الأطباء المختصون بأنه يضر بأجسامهم، فهل نعتمد هنا رأي شيخ غير مختص بالطب قرأ فيما يسمى بالطب النبوي، مسألة أو مسائل، أم رأي طبيب استشاري اختصاصه أورام العظام مثلا؟

المسائل كثيرة، ولكنني أجد أننا ومع إيماننا النظري بفقه الاختلاف نتعثر بمسائل فرعية كهذه، فنتخالف حدّ الدعوة إلى إلغاء الفكرة المختلفة عنا وشطبها أحيانا!

شغلنا بالجدل لكل من طرح منا خلاف حول مسح على الجورب، أو التلبس بالجن أو الديمقراطية أو الفن أو الاعتماد على الحساب الفلكي في دخول الأشهر، أو تعقب ما يسمى بالإعجاز العلمي! كل هذا اختلاف في فروع، قد يكون لنا فيها أكثر من رأي، ويسع كل منا أن يبشر الناس ويدعو إلى سبيل ربه الذي يسع كل العاملين المخلصين.

وماذا يضر لو كنا مختلفين؟!

تجمعنا رابطة تحمل رسالة الدعوة للإسلام في سورية، كل من زاوية اهتماماته، دعونا نختلف بحب..

جعلنا الله من المتحابين فيه، وأظلنا بظل عرشه يوم لا ظلّ إلا ظله.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين