ألقاب من غير حساب

هل تلاحظون معي كثرة من يحرصون على أن يعرّفوا أنفسهم، في هذه الأيام العجيبة العصيبة:

رئيس كذا، رئيس جمعية ..، رئيس رابطة ..، رئيس لجنة ...، رئيس اتحاد..، نائب رئيس كذا.. ... ، ... إلخ

أعني فقط أولئك الذين "يرأسون" جسمًا شكليًا صوريًا - هو في الميزان – وجودُه وعدمه سيّان، وعليهم يصدق قول الشاعر القروي:

إذا عصف الغرور برأس غِـرٍّ *** توهّم أن منْكِبَه جَناح

هل تلاحظون معي ظاهرة من يدّعون أنهم حملة شهادات مختلفة، وهم لا يحملونها، يكذبون على أنفسهم، فينتقلون إليك بعد أن يصدّقوا أنفسهم، ولا تملك أن تسألهم أو تستسفسر منهم، فمن دخل فيما لا يعنيه لقي ما لا يرضيه، فدعهم في زهوهم يعمهون!

هل تلاحظون معي كثرة من خلعوا على أنفسهم أو خلعوا عليهم من "حشود" الكتاب المستجدة ألقابًا ، نحو: شاعر الجليل، شاعر الأرض، شاعر الطبيعة، شاعر العرب... إلخ،

بل ترى من يعرّف نفسه: الشاعر/ ة ...، الكاتبـ/ ـة...، الناقد...، ويكثر ذلك لدى الكاتبات المبتدئات خاصة.

وهذه الظاهرة "التعريفية" لا عهد لنا بمثلها في تاريخ الأدب العربي ولا المحلي.

أقول: ما أغنى الشاعر الحقيقي عن توصيف نفسه بأنه الشاعر! فالشمس لا تُغطّى بغِربال.

وبعد،

فما الذي يجري تمامًا بين ظهرانَينا، وما سر هذا التهالك على حب الظهور؟

هل نحن من الأمة التي وصفها حافظ إبراهيم:

تعشق الألقاب في غير العلا *** وتفدّي في النفوس الرتبا

أتابع الصحافة والمواقع والفيسبوك، ومن المؤسي أن هناك من يؤذون العين والنفس بسبب فرط جهلهم، وهم يحملون ألقابهم التي ارتأوها لأنفسهم، تراهم يصولون ويجولون في ادعاءاتهم وخوائياتهم، فهم لا يعْرفون حقيقة أمرهم، ومجاملاتنا حالت دون الصراحة معهم،

فأتذكر سبب ألم المتنبي عندما قال:

وإني رأيت الضرَّ أحسنَ منظرًا *** وأهونَ من مرأى صغيرٍ به كِبْـرُ

نحن – يا رعاكم الله- بحاجة إلى التواضع، ورسولنا الكريم يقول: 

"التواضع لا يزيد العبد إلا رفعة"، "فتواضعوا يرفعكم الله؟!

إلى ذلك فطن طاغور فقال:

"تدنو من العظمة بقدر ما تدنو من التواضع".

وملأى السنابل تنحني بتواضع ....

نحن بحاجة إلى البحث عن المعرفة، وإلى تقدير من سبقنا في هذه الحلبة أو تلك، حتى ننهل علمًا، ونجمُل أدبًا، فلا نكتفي بما نعرف، فمن ادعى بأنه أمسك بناصية المعرفة فقد جهل.

من جهة أخرى، فإن أشد العلماء تواضعًا أولئك الذين هم أكثرهم علمًا، كما أن المكان المنخفض أكثر البقاع ماء- كما يرى ذلك ابن المعتز.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين