حكم الرحمة والاستغغفار للكافر

الرحمة والاستغفار متلازمان، وقد جاء النص الصريح في النهي عن طلبهما للكافر وحرمة سؤالهما له، وأنهما لا يحصلان له.. بما لا يدع مجالاً للشك لمن عنده أدنى بصيرة ونظر في كتاب الله تعالى ومعرفة بالشرع الشريف، فبالتالي سؤالهما للكافر هو من قبيل طلب المحال لغيره، وهو محرمٌ لافتيات فاعله وتأليه على الله وقد نهاه عنه، فهو تجنٍّ في الدعاء، وصاحبه هو الذي ينصب نفسه قاضياً على الخلق بعد قضاء الله وحكمه.

أما الترحم على الكافر.. فنص على حرمته قوله تعالى: ( وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84) [التوبة: 84]). والمراد بالصلاة الدعاء للميت بالرحمة والمغفرة الذي هو مقصود صلاة الجنازة، التي يقول المصلي فيها على الميت: «اللهم اغفر له اللهم ارحمه»، فلا ينهى سبحانه عن أصل الصلاة ويبيح مقصودها الذي هو طلب الرحمة، هذا لمن يفهم.

أما الاستغفار له، فنص على حرمته قوله تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113) وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114)} [التوبة: 113، 114]).

أما القول بأننا لا نعلم خاتمته وقد يكون أسلم بينه وبين ربه قبل موته، فبالتالي نترحم عليه من هذه الجهة ورحمته- تعالى - وسعت كل شيء.. وكذا.. فسفهٌ وخروج عن مقتضى الشرع، فالرحمة قيدتها الآية بالمؤمنين، والله تعالى تعبدنا بالظاهر والله يتولى السرائر، فإن الأحكام تجري على الظاهر من أحوال العباد، وإلا فقد يكون أيضا من ظنناه مسلما هو في الحقيقة على غير ذلك، والاحتمال حاصل مع الكل، فنصلي الجنازة على كل من يموت.. ظهر إسلامه أو لم يظهر، فهذه من تلك، وهو باطل بإجماع.. لكن غاية ما هنالك أننا نتعامل بمقتضى ظاهر الحال، ولا نجزم ونقطع بكون أحدٍ من أهل النار ولا من أهل الجنة؛ لأنه غيبٌ، تأدباً مع الله تعالى الذي لم يطلعنا على غيبه.

أما محبة الكافر التي زادت في الضلال عن مسألة الاستغفار السابقة، فحدث ولا حرج عن المتهوكين فيها، حتى وصل الحال ببعض المفتونين الفاتنين- نسأل الله له الهداية- أن يخرج على الملأ ويقول : "إني أحب اليهود" ، هكذا مكرراً لها على الملأ غير مستحي من الله ورسوله، وهم قتلة الأنبياء ومبغضي نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ، زاعماً أن ذلك هو الدين، وهو في الحقيقة مسقطٌ لأعظم شعب الإيمان، وأجل الأعمال مثوبة وفضلاً وأوثق ما يلقى به المؤمن ربه بعد الإيمان بالله تعالى، ألا وهو الحب في الله والبغض في الله الذي هو أوثق عرى الإيمان.. فنقول له:

في مثل حالك قال صلى الله عليه وآله وسلم لأبي بن سلول رأس المنافقين حين عاده في مرض موته لما سأله أن يعوده، فلما جاءه قال له صلى الله عليه وآله وسلم : «قَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ حُبِّ يَهُودَ » رواه أحمد وأبو داود والحاكم والطبراني والبزار وغيرهم.

هذا، ولم يقل له صلى الله عليه وآله وسلم : قد كنت أنهاك عن حب كفر يهود..مثلاً، كما يزعم هؤلاء المجازفون.

وبلفظٍ آخر في رواية مرسلة مع ثقة رجالها كما قال الحافظ في الفتح: عن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: أرسل عبد الله بن أبي ابن سلول ، وهو مريض إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؛ فلما دخل عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، قال له : « أهلككَ حبُّ يهود » ، قال له: يا رسول الله ، إنما أرسلت إليك لتستغفر لي، ولم أرسل إليك ؛ لتؤنبني ، ثم سأله عبد الله أن يعطيه قميصه يكفن فيه ، فأعطاه إياه وصلى عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وقام على قبره فأنزل الله : ( ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ، ولا تقم على قبره)اهـ ورواها الطبري في تفسيره بإسناده إلى قتادة أيضاً.

ومن عجبٍ أن يعقب بعد قوله: "إني أحب اليهود"، بقوله: "وأكره الصهاينة"... وهل صنع الصهيونية إلا اليهود لأغراض دينية يزعمونها، وهل تبغض الفرع وتترك الأصل؟!... عجيب فهم هؤلاء، ثم يقول "الذين يحتلون بلادنا"، وكأن تجنيهم على الأرض وكذا.. أعظم عنده من تجنيهم على الله ورسوله، فالأولى هي التي تهمه لا الثانية، فلا حول ولا قوة إلا بالله.

فنسأل الله ألا يجعل مصيبتنا في ديننا، وأن يحسن خاتمتنا، في زمن الفتن هذا الذي يراد فيه تزييف كل حق وصواب.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين