معنى

قال الله تعالى في كتابه العزيز: {مثل الذين اتخذوا من دون الله اولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وان اوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانو يعلمون}. [سورة العنكبوت الآية 41].

يقول الإمام أبو جعفر الطبري في تفسيره: "مثل الذين اتخذوا الآلهة والأوثان من دون الله أولياء يرجون نصرها ونفعها عند حاجتهم إليها في ضعف احتيالهم، وقبح رواياتهم، وسوء اختيارهم لأنفسهم، (كمثل العنكبوت) في ضعفها، وقلة احتيالها لنفسها".

ونقل الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما، قوله: "ذلك مثل ضربه الله لمن عبد غيره، إن مثله كمثل بيت العنكبوت"، وعن قتادة، قوله: "هذا مثل ضربه الله للمشرك مثل إلهه الذي يدعوه من دون الله كمثل بيت العنكبوت واهن ضعيف لا ينفعه"، وعن ابن زيد قوله: هذا مثل ضربه الله، لا يغني أولياؤهم عنهم شيئا، كما لا يغني العنكبوت بيتها هذا".

وقال الطبري: "لو كان هؤلاء الذين اتخذوا من دون الله أولياء، يعلمون أن أولياءهم الذين اتخذوهم من دون الله في قلة غنائهم عنهم، كغناء بيت العنكبوت عنها، لكنهم يجهلون ذلك، فيحسبون أنهم ينفعونهم ويقربونهم إلى الله زلفى". انتهى ما قاله.

لماذا شبه الله الشرك ببيت العنكبوت؟ ولماذا سمى بيتها أوهن البيوت؟ ومن العلماء من يرى أن الخيوط التي تبني بها العنكبوت بيتها ليست أوهن الخيوط، بل هي من أقواها.

ولمعرفة الجواب عن هذا السؤال ينبغي لنا أن نقارن بيت العنكبوت بغيرها من البيوت، إن بيت العنكبوت يتكون من شبكة هندسية جميلة من الخيوط اللامعة البيضاء الخارجة من قناة خاصة من مؤخرة العنكبوت تتشابك معا لتكون خيطاً واحداً، فبيت العنكبوت مكون من مواد متولدة من داخلها، بينما تبني الحيوانات الأخرى بيوتها من مواد من العالم الخارجي، وهو بيت تدمره أي قوة في أقل من لحظة تدميرا، وتجعله هباء منثورا.

فكذلك الرأي رأيان:

1- رأي يبتني على أدلة خارجة حقيقية، تستشعرها الفطرة، وتشهد بها الحواس، وتختبرها العقول، لا حظ للنفس فيها، ولا تطورها الأهواء والشهوات.

2- ورأي آخر يتولد من النفس البشرية لا دليل عليه من العالم الخارجي، تأباه الفطرة، وتكذبها الحواس، وتنكرها العقول السليمة.

فالنوع الثاني من الرأي ليس إلا هوى من الأهواء ناشئا من النفس، وإن الشرك، والكفر، والبدع، وسائر الضلالات والغوايات من هذا النوع، ليس عليها برهان، ولم ينزل الله بها من سلطان، وإنما هي متولدة من جهل النفس وظلمتها، ويسعى صاحبها بتزيينها للناس وسحرهم بها كما أن العنكبوت تجعل بيتها وكأنه شبكة هندسية جميلة، ومع ذلك فإن بيتها أوهن البيوت.

كذلك أفكار المشركين والضالين الغاوين وآراؤهم أفكار وآراء فاسدة واهية رغم ما عليها من بريق ولمعان، وتوهج وتوقد، لا قيام لها ولا ثبات، ولا تماسك لها ولا استقرار، وما أبلغ قوله تعالى: {قل جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا}. [سورة الإسراء الآية 81].

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين