وجيز التفسير: في المشاققة والمحادة وقوله تعالى: {نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى}

وأوجز عموم المفسرين أو عمموا في تفسير قوله تعالى:

{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}.

ففسروا المشاققة بالمخالفة ، والعصيان ، والخروج عن الأمر ، أمر الرسول أو أمر الشريعة...

وفي الحقيقة فإنَّ للمشاققة ، التي وردت في خمسة سياقات تقريبًا من القرآن الكريم ، معنى إضافيا ، زائدًا غير العصيان ، والمخالفة ، والخروج عن أمر الرسول الكريم ..

وكذا فعل عامة المفسرين في قوله تعالى :{ لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُون}[ المجادلة: 22].

وقوله تعالى : { أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ۚ ذَٰلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ}[التوبة: 63].

فالمشاققة كما هي في اللغة إحداث شقّ . والمحاددة : إحداث حد .

والمشاقق والمحادّ ليس هو الرجل يعصي ولا يطيع فقط ، بل هو الذي يعصي ولا يطيع ويناوئ . والمناوءة بالمعنى الدقيق هو المعنى الإضافي المقصود. المناوءة التي تعني المكر والكيد والتَّحريض على العداوة والعمل على توسيع دائرة العدوان.

يذكر المفسرون في أسباب النزول، واقعة ابن أبيرق السارق، الذي لم يكفه أنه سرق، بل هرب إلى شقِّ المشركين، وانحاز إلى حدهم ليكيد للإسلام والمسلمين.

المشاققة تعني: الخروج من خندق الجماعة، جماعة الأمة إلى خندق آخر معادٍّ لله ولرسوله ولجماعة المسلمين، وقد يتم هذا انحيازًا إلى خندق أو شق، كما يفعل الذين ينحازون إلى الخندق الصهيوني أو الخندق الصفوي. أو قد يكون بإحداث شق جديد، يرفع عليه صاحبه راية عمية يدعو المشاقق والمُحَادُّ الناسَ إليها، ليجتمعوا تحتها على الكيد للإسلام والمسلمين، ومناوئتهم، والتحريض عليهم، وإشاعة قالة السوء عنهم، والشد على أيدي أعدائهم، وتمجيد هؤلاء الأعداء وتبجيلهم، كمن يتغنى اليوم بعلاقاته بتحالف الصادات الصاد عن دين الله، المتواطئ على تدمير الإسلام وقتل المسلمين ..

عن هؤلاء جميعا يقول ربنا تبارك وتعالى: {نولِّه ما تولَّى} كلمتان مخيفتان. تنذران بقطع علاقة المشاقق والمحادّ بالجماعة المؤمنة المسلمة التي انسلّ منها، وآثر عليها، وابتغى القوة والعزة والنصرة عند غيرها، فتوعَّده الله سبحانه أن يكله إلى خياره وإلى ولائه الجديد، الذي ألقى مقاليده بين يديه. تأكيد جديد لقوله تعالى: {أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} [النساء: 139].

وهكذا نجد القرآن الكريم صريحًا وواضحًا وحاسمًا في قطع العلائق بين هؤلاء المشاققين والمحادِّين وبين الجماعة المسلمة. فليس المطلوب، حسب التعليم القرآني، قطع العلاقات على المستويات العملية واللوجستية فقط ... بل المطلوب أن تتمَّ القطيعة على المستوى الشعوري أيضا. كما تنصُّ عليه سورة المجادلة: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ..} حتى الموادَّة القلبيَّة محظورة.. وهذا هو أمر الدين.

هذه القطيعة الحاسمة لا تنطبق كما يظن البعض على المخالفين في الدين ، ولأن القرآن الكريم يفسر بعضه بعضا ، فحكم المخالفين في الدين محدد بدقة في قوله تعالى : { لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }[الممتحنة:8].

المشاققون والمحادُّون ليسوا فقط عصاة في أنفسهم ، أو مخالفين في عقائدهم ؛ بل هم الماكرون والكائدون والمناوئون والمحاربون في مواقفهم وفي سياساتهم الصادُّون عن سبيل الله ، المتحالفون مع أعداء الله ، على استضعاف عباد الله. المشاققون المحادُّون هم كل هؤلاء الذين يرفعون السلاح لقتل المسلمين في فلسطين والشام والعراق واليمن وليبية وكل من يأوي إليهم، أو يتعاون معهم، أو يناصرهم ولو بشطر كلمة.

المشاققة : تعني أن يكون المسلم في شق آخر غير شق الله ورسوله وصالح المؤمنين ..

المحاددة : تعني أن يكون المسلم في حدٍّ آخر غير حد الله ورسوله وجماعة المسلمين ..يوالي قاتلا ، ويواد ظالما مستبدًّا .. ويناصر معتديًا منتهكًا ..

وهؤلاء الذين مهما لبّس إبليس عليهم هم الذين حرَّم كتاب الله موادتهم ولو كانوا آباء أو أبناء أو إخوانا أو عشيرة.. بل وكلهم الله تعالى إلى ما تولوا، وتوعَّدهم بما نص عليه كتابه الكريم ... {نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين