علماء وعلماء ..وعن علماء الصدق أكتب

ونظرت في تاريخ الأمة ، فوجدت صنفين من العلماء ..

صنف تفرغوا لعلم الخاصة وكتبوا فيه . يُشم عبيرهم سماعا ، كما الروايات تكون حدثنا وأنبأنا وأخبرنا ..وأحيانا معنعنة " كعن سعيد عن كرم "

وصنف تفرغوا للقيام على أمر العامة ، فعلموا وأدبوا ووجهوا وأمسكوا بخطام المجتمعات أن تضل أو أن تنحرف ، وهؤلاء قلما كتبوا أو صنفوا ، فإذا كتبوا أجابوا على الأسئلة التي تشغل عقول أبناء عصرهم ، وعالجوا مشكلاتهم ، وأجابوا على تساؤلاتهم..

معظم الأئمة الأوائل العظام كانوا إلى تلامذتهم أقرب . وحين ينسبون إليهم التصانيف فإنما يفعلون ذلك تكلفا ..ولولا موطأ مالك ، ورسالة الشافعي ، وأمه لقلت : كل الأئمة الأوائل العظام كانوا إلى الناس أقرب ..

مصنفات أبي يوسف ومحمد بن الحسن أوثق في النسبة ، مما ينسب إلى أبي حنيفة. أبو حنيفة ، رحم الله أبا حنيفة ، كان يشتغل على تخريج الرجال . ثمانون عمامة منها عمائم أبي يوسف ، ومحمد بن الحسن ، وزفر ، رباهم على أنه يقول ويقولون ، وليس على " ما أفلح مريد قال لشيخه : لِمَ ؟ "

أنظر في تاريخ الحسن البصري فلا أكاد أجد كتابا ، ولا في سيرة أحمد الرفاعي ، ولا في تاريخ الباز الأشهب عبد القادر الكيلاني رحمهم الله تعالى . وما ينسب إلى سيدي أحمد يُنسب . والفتح الرباني مجرد أمالي ، نسخت من مجالس سيدي عبد القادر . ولو كان في الأمة بقية خير ، ولو كان لدى الحركات الإسلامية مزيد من بعد نظر ، لجعلت من كتيّبه الصغير الكبير " فتوح الغيب " متنا وربت عليه الأجيال . وأجمل ما فيه عقيدة " دفع الأقدار بالأقدار " التي تنسف نظرية التواكل ، التي نخرت قلوب كثير من المسلمين .

وغير هؤلاء الكبار في عالم المسلمين كثير . ولنا أن الجاحظ مات تحت ركام كتبه.

وكنت قد ذاكرت بمثل هذا الكلام عالما صاحب سبق علم وفضل وجهاد ، فأجابني بدمعتين ، ولا يحق لي تفسير الدموع ..

كان الإمام بن مالك صاحب الألفية ، وأقام في حلب مدة ومدة في دمشق ، يحمل كراريسه كل يوم ويقف على باب المسجد بعد صلاة الفجر فينادي : هل من طالب علم ؟ هل من طالب علم ؟ فلا يجيبه أحد ويمضي ..

على قارعة الطريق نجلس . نتداول العلم بالتعاطي . ننهل من كأس ، ونُعل بأخرىى ونمرر كأسا ، ونجعل الكأس مجراها اليمينا ..

أتذكر وأنا تلميذ في الصف الثاني الابتدائي ، أقف في حوش المدرسة الصغيرة جدا ، في وقت الفرصة . وأقرأ في أوراق كانت في يدي بغير غلاف ، ولا تذهيب أوراق بيض بحجم الكف ، كُتب عليها " سبيل الهدى والعمل " مجرد أوراق فيها نصائح وآداب كنت أتحفظها ..نصائح وآداب انزرعت في قلب الطفل الصغير ، وكلما ذكرتها تذكرت كم كسب كاتبها من أجر ، وكم ترك من أثر ..

يا أصحاب البروج الذهبية والفضية والعاجية والبرونزية ؛ انزلوا إلى الناس ..

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين