الآخرة - الحياة بعد الموت (8-17)

السؤال:

من الأسئلة الشائعة لدى غير المسلمين عن الإسلام: ما الدليل على وجود الآخرة (الحياة بعد الموت)؟ وما نظرة الإسلام إلى هذه الحياة؟

الجواب:

من أهم الحقائق التي يدعونا الإسلام إلى الإيمان بها: الإيمان بالآخرة أو اليوم الآخر؛ فكثيرًا ما يأتي في القرآن الربط بينه وبين الإيمان بالله تعالى، مثل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون}[البقرة:62]، والإيمان بالآخرة أحد أركان الإيمان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: (الْإِيمَانِ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ) رواه مسلم. 

وقد حكم الله سبحانه وتعالى على مَنْ لا يؤمن باليوم الآخر بالكفر والضلال البعيد، قال سبحانه: {وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا}[النساء:136].

مفهوم الآخرة:

مفهوم الآخرة يتضمّن ثلاثة أمور: 

الأول: أنّ الحياة التي نحياها على هذه الأرض هي حياة مؤقّتة؛ ولذا جاءت تسميتها في القرآن بالحياة الدنيا، وقد أوجدنا الله فيها لنعمر الأرض وفق المنهج الذي رسمه لنا وأخبرنا به عن طريق أنبيائه ورسله عليهم السلام، قال سبحانه: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُون}[يونس:14].

الثاني: أنّ هناك يومًا تنقضي فيه هذه الدنيا، وتموت الكائنات كلها، ثم يبعثها الله سبحانه من جديد، قال تعالى: {وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُور}[الحج:7].

وفي هذا اليوم يُحاسِب اللهُ الناس على أعمالهم التي عملوها في الدنيا، قال سبحانه: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُون}[يونس:4].

وقد سمّى الله تعالى هذا اليوم باليوم الآخر؛ لأنّه آخر الأيام على هذه الأرض، فبعد البعث والحساب يُحشر المؤمنون إلى الجنّة ويُحشر الكافرون إلى النار.

وهو يوم طويل جدًا، قال تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَة}[المعارج:4]، وقد سمّاه الله بأسماء أخرى كثيرة تدلّ على عظمته وتحقّق وقوعه وشدّة أهواله وما يكون فيه، وهذه الأسماء هي: (يوم الآزفة، ويوم البعث، ويوم الخروج، ويوم التنادِ، ويوم الجمع، ويوم التلاقِ، ويوم الفصل، ويوم الدين، ويوم الحساب، ويوم التغابن، ويوم الحسرة، ويوم الوعيد، ويوم الخلود، والساعة، والواقعة، والقيامة، والحاقّة، والغاشية، والقارعة، والطامّة الكبرى، والصاخّة، والآزفة).

الثالث: الحياةُ بعد البعث من الموت حياةٌ خالدةٌ لا موت بعدها، قال سبحانه: {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم  وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِير}[التغابن:9-10]؛ ولذا فقد سمّاها الله "الدار الآخرة"، قال سبحانه: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين}[القصص:83]،

الأدلة على اليوم الآخر:

تتفق الشرائع السماوية كلها على الإيمان باليوم الآخر، فقد ذكر لنا القرآن الكريم كلام الأنبياء السابقين عن يوم القيامة، كقول إبراهيم عليه السلام: {وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ  يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ  إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 87-89]، وقول موسى عليه السلام: {وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَـا إِلَيْكَ} [الأعراف: 156].

وفي حين أنّ نسخ "التوراة" الموجودة اليوم تخلو من ذكر القيامة والجنّة والنار إلا من عبارات يسيرة، كما في سفر دانيال [12 : 2] "وكثير من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون، بعضهم للحياة الأبدية، وبعضهم للعار والذعر الأبدي"، فإنّ التصريح بيوم القيامة موجود بكثرة في "الإنجيل"، كما في إنجيل متى [12 : 36-37] "أقول لكم: إنّ كل كلمة فارغة يقولها الناس يحاسبون عليها يوم الدين * لأنّك بكلامك تُبَرَّر وبكلامك تُدان".

ولا يتوقف الإيمان باليوم الآخر عند أتباع الديانات السماوية، فكثير من الديانات غير السماوية تؤمن بوجود حياة أخرى بعد الموت، وإن كانت رؤيتهم لها ومعلوماتهم عنها مغلوطة غير صحيحة.

والأدلّة على إثبات البعث بعد الموت واليوم الآخر وما يكون فيه من الحساب والجزاء على الأعمال كثيرةٌ، منها:

1- أنّ حتمية الموت والفناء في هذه الحياة دليل على وجود حياة أخرى أبدية تكمّلها، إذ إنّ وجودنا في هذه الحياة لا يُعقل أن ّيكون وجودًا عابرًا ينقضي بالفناء الأبدي، وبما أنّ كل ما في هذه الحياة يموت فإنّ من المنطقي أن لا تكون هذه هي النهاية المطلقة للوجود، وهذا يعني وجود حياة أخرى تأتي بعدها تتبيّن من خلالها حكمة وجود الحياة الأولى، وما ينبني عليها، وسبب فنائها .. إلى غير ذلك من الأمور. ولذا فقد شنّع الله سبحانه وتعالى على المشركين الذين يقولون بأنّ الحياة الدنيا هي كلّ ما في الأمر وهي نهاية المطاف؛ فقال سبحانه: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّون}[الجاثية:24].

2- أنّ حكمة الله تعالى تقتضي وجود حياة أخرى. فالله تعالى حكيم لا يفعل شيئًا عبثًا، ولو لم تكن هناك حياة أخرى لكانت الحياة الدنيا عبث! قال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: 115]، فكلّ ما يحدث في هذه الحياة الدنيا يدلّ دلالة قاطعة على أنّ هناك حياة أخرى تكمّلها، وتظهر الفائدة من وجودها، ولو لم تُوجد تلك الحياة الآخرة لكان كلّ ما في الدنيا عَبَث لا طائل من ورائه.

3- تحقيق العدالة: فالله سبحانه أرسل رسله وأنزل كتبه وفرض شرائعه، ووعد المطيعين بالثواب والعاصين بالعقاب، ثم وكّل الله بالناس ملائكة يحصون أقوالهم وأعمالهم ويكتبونها، {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ ( كِرَامًا كَاتِبِينَ  يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار 10-12]، ومقتضى العدل أن يكون هناك يومٌ تُعرض فيه هذه الأعمال، ويحاسب الناس عليها، ثم يُجازون عليها إنْ خيرًا فخير، وإنْ شرًّا فشرّ، قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ  فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا  وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا  وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ  فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا  وَيَصْلَى سَعِيرًا} [الانشقاق: 7-12].

من جانب آخر: فإنّ الظلم بين العباد كثير، والعدالة الحقيقية لا تحصل للمظلوم في الدنيا، فمن سُرق ماله ثم أُعيد إليه وعُوّض عما أصابه من خوف وضرر فقد تحققت له العدالة. لكن ماذا لو لم يَعُد إليه ماله؟ أو أُعيد له جزء منه؟ أو أُعيد كلّه لكن بعد زمن طويل عانى خلاله من التعب والقلق وبذل الجهد والوقت لاستعادة حقّه؟ فمثل هذا متى تتحقق له العدالة؟

وإذا كان الأمر كذلك في الأموال التي يمكن تعويضها .. فكيف تتحقق العدالة للمقتول؟ 

إنّ قتْل القاتل يفيد في كفّ شرّه، وردع غيره عن القيام بمثل فعله، وفيه شفاءٌ لغليل أهل المقتول، لكنّ المقتول لن يستفيد شيئًا مِنْ قَتْلِ قاتله، فقد انتهت حياته، وهُدمت أسرته، وذهب ماله، وتبدّدت أحلامه، فمتى تتحقّق له العدالة؟ إنّه لا سبيل لتحقيق العدالة له إلا بوجود يوم آخر يلتقي فيه القاتل بالمقتول أمام الله ويأخذ حقّه منه، والحساب في الآخرة يكون بالحسنات التي تُدخل صاحبها الجنة، والسيئات التي تُدخل صاحبها النار؛ فيأخذ المقتول من حسنات القاتل ويطرح عليه من سيئاته؛ حتى يرضى.

ولو أنّ قاتلين قتل الأول منهما شخصًا واحدًا، وقتل الآخر مئة شخص، ثم أُلقي القبض عليهما، وحُكم عليهما بالقصاص، عندها سيكون القصاص من القاتل الأول في مقابل قتله لذاك الشخص، وسيكون القصاص ممن قتل مئة شخص في مقابل قتله للأول منهم، لكن ما هي عقوبة قتله التسعة والتسعين شخصًا الآخرين؟ إنّ هذا مما لا يمكن تحقيقه في الدنيا أبدًا، لكنّ ذلك ممكن في الآخرة، فالله قادر على أن يزيد عقوبته في النار مئة ضعف أكثر من عقوبة مَن قَتَل شخصًا واحدًا فقط. 

4- أنّ الحياة الآخرة ضرورة، لا تستقيم حياة الناس في الدنيا إلا بوجودها: فالإيمان بالمعاد والحساب والجزاء على الأعمال أعظمُ دافعٍ للإنسان للالتزام بشرع الله تعالى، وفِعل ما أمر به، والابتعاد عما حرّمه. 

إنّ العقوبات الصارمة -بما فيها الحدود الشرعية- تدفع الناس إلى الكفّ عن القيام بالجرائم والآثام أمام الناس خوفًا من العقاب، لكنّها لا تمنعهم من القيام بها في السرّ، ولا تُهذّب نفوسهم وتصلحها وتربّيها على فعل الحسن واجتناب القبيح في كل حين، ومتى ما أَمِنَ الناس العقاب أساؤوا الأدب، لكنّ وجود الآخرة يجعل المرء في حالة مراقبة دائمة لأعماله؛ لأنّه يعلم أنّ اليوم الذي سيُحاسب فيه على كلّ كبيرة وصغيرة، أسرّ بها أو أعلنها؛ قادمٌ لا محالة.

وكذلك الأمر بالنسبة للسلوك والأخلاق، فالإيمان بالحياة الأخرى بعد الموت يوجّه السلوك الإنساني نحو الفضيلة، ويمنعه من الانحدار نحو الرذيلة واتباع الشهوات التي تحطم النفوس وتستعبدها، ويحجزه عن ظلم الناس والاعتداء عليهم وأخذ حقوقهم والسخرية بهم.

كذلك فإنّ حضور حقيقة الآخرة في أذهان الناس تجعل المجتمع آمنًا، يلتزم فيه كلّ فرد بحدوده، ويأمن غيره، ويؤدي كل فرد واجباته ويأخذ حقوقه.

5- قدرة الله سبحانه وتعالى التي لا يعجزها شيء، فمعظم الذين ينكرون البعث والحياة الآخرة ينكرونها من منطلق استبعاد وجود قدرة على إعادة الخلق نفسه كما كان، {وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا}[الإسراء:49]، {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيم}[يس:78]. 

وقد بيّن سبحانه وتعالى أنّه قادر على إعادة الخلق بعد الموت بعدد من الأدلّة:

الأوّل: أنّه هو الذي بدأ الخلق، فكل هذه المخلوقات من سماء وأرض وبشر وكائنات دالّة على قدرته سبحانه: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون  الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُون}[البقرة:21-22].

الثاني: أنّه يحيي الأرض بالمطر والنبات وأنواع الحياة عليها بعد موتها، قال تعالى: {فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير}[الروم:50].

الثالث: إخراج الحي من الميت والميت من الحي، {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُون}[الروم:19]، فهو يخرج النبات من الأرض الميتة، والسنبلة من الحبّة، والشجرة من النواة، والفرخ من البيضة، والمؤمن من الكافر، والعكس في ذلك كلّه.

وقد جمع الله هذه الأدلة في موضع واحد من سورة الحج، فقال سبحانه مذكّرًا الناس بمراحل خلقهم، وبما يشاهدونه حولهم من إحياء الأرض اليابسة بالمطر، وإخراج الأحياء من الأموات: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ  ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَأَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ  وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ}[الحج: 5-7].

6- أنّ الإعادة أهون على الله من الابتداء، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الروم: 27]. 

والناس لا يختلفون في أنّ إعادة صنع الشيء أهون على الصانع من صنعه أول مرة، فكيف بالله أحسن الخالقين؟ ولازم ذلك: أنّ الله تعالى الذي خلقنا من العدم قادر على إعادتنا بعد الموت، وأنّ هذه الإعادة أهون عليه.

7- الاستدلال بقصص السابقين الذين شاهدوا إحياء الله للأموات في الدنيا، وهي خمس قصص ذكرها الله في القرآن في سورة البقرة:

أ. قصة بني إسرائيل الذين عاقبهم الله عندما طلبوا رؤيته؛ فأماتهم ثم أحياهم: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُون  ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون}[البقرة:55-56]

ب. قصّة إحياء القتيل ليشهد على مَن قتله: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُون  فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون}[البقرة:73]

ج. قصة الملأ من بني اسرائيل الذين خرجوا من ديارهم خوف الموت؛ فأماتهم الله ثم أحياهم، تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُون}[البقرة:243]

د. قصة عزير الذي أماته الله مئة عام ثم بعثه ليريه كيف يحيي الله الموتى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير}[البقرة:259] 

ه. قصة الطيور التي أحياها الله لإبراهيم عليه السلام: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيم}[البقرة:260].

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين