مختارات من تفسير

(وَإِذۡ فَرَقۡنَا بِكُمُ ٱلۡبَحۡرَ فَأَنجَيۡنَٰكُمۡ وَأَغۡرَقۡنَآ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ)

السؤال الأول:

ما اللمسة البيانية في ورود لفظة (اليَمّ) 8 مرات في قصة موسى، ووردت لفظة (البحر) 8 مرات في القصة نفسها، ووردت لفظة (البحرين) مرة واحدة؟

الجواب:

1ـ القرآن الكريم يستعمل اليم والبحر في موقفين متشابهين، كما في قصة موسى عليه السلام؛ فمرة يستعمل اليم ومرة يستعمل البحر في القصة نفسها .

2ـ اليمّ كما يقول أهل اللغة المحدثون : إنها عبرانية وسريانية وأكادية، وهي في العبرانية (يمّا) وفي الأكادية (يمو). (اليمّ ) وردت كلها في قصة موسى ولم ترد في موطن آخر , ومن التناسب اللطيف أنْ ترد في قصة العبرانيين وهي كلمة عبرانية.

واليم يستعمل للماء الكثير, وإنْ كان نهراً كبيراً واسعاً فيستعمل اليم أو البحر .

3ـ لكن من الملاحظ أنّ القرآن لم يستعمل (اليم) إلا في مقام الخوف والعقوبة، ولم يستعمل اليم في مقام النجاة.

قال تعالى: (فَإِذَا خِفۡتِ عَلَيۡهِ فَأَلۡقِيهِ فِي ٱلۡيَمِّ) [القصص:7] هذا خوف، (فَٱنتَقَمۡنَا مِنۡهُمۡ فَأَغۡرَقۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡيَمِّ) [الأعراف:136]، (فَأَتۡبَعَهُمۡ فِرۡعَوۡنُ بِجُنُودِهِۦ فَغَشِيَهُم مِّنَ ٱلۡيَمِّ مَا غَشِيَهُمۡ) [طه:78] هذه عقوبة.

4ـ أمّا (البحر)  فعامة، وقد يستعمله القرآن الكريم في مقام النجاة أو العقوبة, واستعمل القرآن كلمة (البحر) في النِّعم لبني إسرائيل وغيرهم،وفي نجاة بني إسرائيل ولم يستعمل (اليم).

 وقد استعمل القرآن كلمة (البحر) في النجاة والإغراق فقال : (وَإِذۡ فَرَقۡنَا بِكُمُ ٱلۡبَحۡرَ فَأَنجَيۡنَٰكُمۡ وَأَغۡرَقۡنَآ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ) [البقرة:50].

واستعملها في الإغراق والإنجاء فقال :  (وَجَٰوَزۡنَا بِبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱلۡبَحۡرَ) [الأعراف:138] أي: أنجيناهم .

5ـ اللغة تفرق بين البحر والنهر واليم: النهر أصغر من البحر، والقرآن أطلق اليم على الماء الكثير. ويُشتق من اليم ما لم يشتق من البحر, مثلاً: (ميموم) أي: غريق؛ لذلك كلمة ( اليم ) تناسب الغرق، والعرب لا تجمع كلمة (يم) فهي مفردة , وقالوا: لم يُسمع لها جمع ولا يقاس لها جمع، وإنما جمعت كلمة بحرعلى (أبحر وبحار) وهذا من خصوصية القرآن في الاستعمال, كونها خاصة بالخوف والعقوبة .

(وَإِذۡ وَٰعَدۡنَا مُوسَىٰٓ أَرۡبَعِينَ لَيۡلَةٗ ثُمَّ ٱتَّخَذۡتُمُ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَنتُمۡ ظَٰلِمُونَ)[البقرة: 51]

السؤال الأول:

ما الفرق بين قوله تعالى في آية البقرة [51] (وَإِذۡ وَٰعَدۡنَا مُوسَىٰٓ أَرۡبَعِينَ لَيۡلَةٗ) [البقرة:51] وآية الأعراف [142] (وَوَٰعَدۡنَا مُوسَىٰ ثَلَٰثِينَ لَيۡلَةٗ وَأَتۡمَمۡنَٰهَا بِعَشۡرٖ)[الأعراف:142] ؟

الجواب:

قال تعالى في سورة البقرة: (وَإِذۡ وَٰعَدۡنَا مُوسَىٰٓ أَرۡبَعِينَ لَيۡلَةٗ ثُمَّ ٱتَّخَذۡتُمُ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَنتُمۡ ظَٰلِمُونَ) [البقرة:51] وقال في سورة الأعراف: (وَوَٰعَدۡنَا مُوسَىٰ ثَلَٰثِينَ لَيۡلَةٗ وَأَتۡمَمۡنَٰهَا بِعَشۡرٖ فَتَمَّ مِيقَٰتُ رَبِّهِۦٓ أَرۡبَعِينَ لَيۡلَةٗۚ وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَٰرُونَ ٱخۡلُفۡنِي فِي قَوۡمِي وَأَصۡلِحۡ وَلَا تَتَّبِعۡ سَبِيلَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ) [الأعراف:142] آية فيها إجمال , وآية فيها تفصيل .

لكن لماذا الإجمال في موضع والتفصيل في موضع آخر؟ لو عدنا إلى سياق سورة البقرة نجد أنه ورد فيها هذه الآية فقط في هذا المجال، بينما في المشهد نفسه في سورة الأعراف فيه تفصيل كبير من قوله تعالى:  (وَوَٰعَدۡنَا مُوسَىٰ ثَلَٰثِينَ لَيۡلَةٗ وَأَتۡمَمۡنَٰهَا بِعَشۡرٖ فَتَمَّ مِيقَٰتُ رَبِّهِۦٓ أَرۡبَعِينَ لَيۡلَةٗۚ وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَٰرُونَ ٱخۡلُفۡنِي فِي قَوۡمِي وَأَصۡلِحۡ وَلَا تَتَّبِعۡ سَبِيلَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ) [الأعراف:142] إلى قوله (وَكَتَبۡنَا لَهُۥ فِي ٱلۡأَلۡوَاحِ مِن كُلِّ شَيۡءٖ مَّوۡعِظَةٗ وَتَفۡصِيلٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ فَخُذۡهَا بِقُوَّةٖ وَأۡمُرۡ قَوۡمَكَ يَأۡخُذُواْ بِأَحۡسَنِهَاۚ سَأُوْرِيكُمۡ دَارَ ٱلۡفَٰسِقِينَ) [الأعراف:145] فالكلام طويل والقصة والأحداث في المواعدة مفصلة أكثر في الأعراف, ولم تذكر في البقرة؛ لأنّ المسألة في البقرة فيها إيجاز, فناسب التفصيل في سورة الأعراف والإيجاز في سورة البقرة, لذا جاء في تفسير آيات الأعراف أنّ موسى عليه السلام صام ثلاثين يوماً ثم أفطر فقال تعالى:  صم، فصام عشرة أيام أخرى، أمّا في سورة البقرة فجاءت على سبيل الإجمال (أربعين يوماً).

السؤال الثاني:

ما دلالة قوله تعالى: (مِنۢ بَعۡدِهِۦ) [البقرة:51] في الآية ؟ ولماذا لم يقل مثلاً: (بعده)؟

الجواب:

آية البقرة في بني إسرائيل وتعداد نعم الله عليهم وعصيانهم مع ظهور الآيات, وهم بعد أنْ أغرق آل فرعون اتخذوا العجل بلا مدة فاصلة، فجاء بمن فقال: (مِنۢ بَعۡدِهِۦ) [البقرة:51] ولم يقل: (بعده)؛ لأنها تفيد الزمن الطويل والقصير, بينما (مِنۢ بَعۡدِهِۦ) تفيد الابتداء، أي: فعلوا ذلك مباشرة بعد إنقاذهم من البحر .

وكذلك الأمر في الآية التالية رقم [52] (ثُمَّ عَفَوۡنَا عَنكُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ) [البقرة:52] فجاء بـ (من بعد) للدلالة على أنّ عفو الله جاءهم مباشرة بعد اتخاذهم العجل، والله أعلم

السؤال الثالث:

ما دلالة لفظة (وَٰعَدۡنَا) [البقرة:51] في الآية ؟

الجواب:

الوعد هو الإخبار بشيء سارّ، والوعيد هو الإخبار بشيء سيء.

السؤال الرابع:

لماذا استعمل لفظة (لَيۡلَةٗ) [البقرة:51] في الآية ؟

الجواب:

وَعْدُ اللهِ تعالى لموسى عليه السلام كان لإعطائه المنهج لإبلاغ بني إسرائيل.

وعندما يتكلم الدين عن الزمن يتكلم دائماً بالليلة, والسبب أنك تستطيع أنْ تحدد الزمن بمجرد أنْ تنظر إلى القمر فتقول: هذا القمر هلالا  أو بدرا أو أول الشهر. أمّا قرص الشمس في النهار فلا يحدد لك في أي وقت من الشهر نحن .

والبدوي في الصحراء يستطيع أنْ يحدد لك الزمن بالتقريب بالليالي فيقول لك مثلاً : هذا القمر ابن كذا ليلة. والله أعلم .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين