رحلتي مع الكورونا

لاينجي حذر من قدر ..

كنت أباشر عملي كطبيب في المستشفى واتخذ الاجراءات الاحترازية المطلوبة فأضع الكمامة وأغسل يدي باستمرار واذا عدت الى بيتي اغتسل واغير ملابسي وعندما اسمع عن احد اصيب بالكورونا ادعو الله له بالشفاء واعتقد انه لم يحتط كفاية وكنت احصن نفسي بالدعاء والاذكار ولكن قدر الله نافذ وماشاء كان

_في يوم الخميس ١٦ ابريل ٢٠٢٠ وكان يوافق اخر اسبوع من شعبان بدأت حرارتي بالارتفاع لحدود ٣٨ وبدات بالسعال قليلا فلم اهتم لذلك واعتبرتها نوبة زكام لكن امام الحاح زوجتي علي ذهبت لفحص الكورونا يوم الجمعة ١٧ ابريل وانا لا اتوقع نهائيا انني مصاب ومن ثم اعادوا التحليل مساء ليتاكدو من وجود COVID 19 عندي وارسلوا سيارة اسعاف لنقلي الى المشفى ، فجهزت حقيبتي وانا متفائل جدا بان عودتي للبيت ستكون قريبة وسأمضي رمضان مع عائلتي

_ بداية الرحلة : في اول يومين كانت الأعراض خفيفة ولم أعط الا دواء للسعال وخافض للحرارة paracetamol لكن في الليلة التالية تعرقت كثيرا وقمت فجرا للوضوء فوقعت بسبب هبوط الضغط عندي ولازمت الفراش ووضعوا لي مغذي وريدي حيث كان الجفاف واضح عندي

_ هنا بدأت معاناتي مع الكورونا بشكل جدي .. ضيق في النفس وسعال وصداع وجفاف في الحلق والام في كل الجسم ودوخة وغثيان وانخفاض في معدل الاكسجين فنقلوني الى لغرفة قريبة من العناية المركزة وضاعفوا لي الاكسجين حيث كان بالانبوب الانفي بمعدل 2 ل/د فصارت بالكمامة بمعدل 5 ل/د وبدأوا باعطائي الادوية المستخدمة محليا للكورونا وكانت ( دواء الملاريا hydroxychlorocuine _ مضاد الانفلونزا tamiflu/oseltamivir _ مضاد الفيروسات lopinavir/ritonavir _مضاد التخثر enoxiparin ومضادات حيوية اخرى من اجل التهاب الرئة الذي كان واضحا في الأشعة ) ، واصبحت ضعيفا واهنا امام ذلك المرض الذي استحكم في وتمكن من جميع اعضائي واجهزتي فقد اثر على رئتي وكبدي وكليتي وخلايا الدم اللمفاوية وتناقص وزني تدريجيا وتراجعت صحتي

واحسست انني ساغادر هذه الدنيا الى الاخرة

_ لكن بفضل الله وبحمده كان القرآن خير مواسي لي في وحدتي ، أغفو غفوات ثم اصحو على آيات تثلج صدري وتبهج مهجتي وجفاف الحلق كان يرطبه ذكر المولى عزو وجل ودعوات تتردد على شفتي ، كنت مع الله في خلوتي راضٍ تماما بما كتبه لي في قسمتي ، لم يتمكن أحد من زيارتي لا أهلي لا اخوتي لازملاء مهنتي ولم يملك احبتي دفع الضر عني غير انهم كانوا يهاتفوني باستمرار للاطمئنان والسؤال عني ، مئات الرسائل والختمات والصدقات والدعوات كانت خير مؤنس لي ، تشحذ همتي وتزيد من عزيمتي وبدات بفضل الله تتحسن صحتي تدريجيا وينحسر اثر الفيروس وتعود حركتي الى طبيعتها ، وتحسنت رئتي والاكسجين عندي ونتائج فحصوصات الدم بتحسن وظائف الكبد والكلى والاشعة وبداوا بتخفيف الادوية واكتفوا بمضاد التخثر فقط ثم بعد ذلك قرروا نقلي الى العزل الفندقي حتى استرد كامل عافيتي وتذهب اعراض الفيروس تماما ويتاكد زواله من جسدي

_الحمد لله بدأت بالصيام في العشر الأخير من رمضان وقاموا بفحص الفيروس مرتين وكانت النتيجة سلبية وبشروني بالخروج في الثلث الاخير من ليلة ٢٧ رمضان وخرجت يومها ظهرا بعد رحلة استمرت ٣٣ يوما ( لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا )

_ خلال هذه الرحلة احسست بنعم الله عزو وجل ونفحاته وتجلياته ومن اكبر هذه النعم - الايمان بالقضاء والقدر - والرضا والتقبل والتسليم المطلق له سبحانه وتذكرت قوله ( قل لن يصيبنا الا ماكتب الله لنا ) واحسست بضعفي وانه لاحول ولاقوة الا بالله واستشعرت نعمة العافية وقوله عليه الصلاة والسلام ( سلوا الله العافية ) وقوله ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس - الصحة والفراغ - ) ، وعند اشتداد المرض على احسست اني قريب من الرحيل الى الدار الاخرة فلجأت الى الله اناجيه ان يتقبلني ويرحمني ويعفو عني ويكفر سيئاتي واستودعته ديني وامانتي وخواتيم اعمالي ورجوته ان يحسن خاتمتي فأنا احسن الظن به انه لن يضيعني عند او بعد موتي وتمنيت لو استكثرت من الزاد لآخرتي وتذكرت انه لايختار سبحانه وتعالى لعبده الا الخير

-وكان القران الكريم خير زاد لي في هذه الرحلة كان انيسا ومثبتا وشفاء

_عند شفائي ايقنت فضل الله ورحمته وعنايته فهو قدر ان يرد علي عافيتي وان يكتب لي حياة جديدة بينما يموت الكثيرون من هذا الفيروس لاسيما زملاء المهنة فلهج لساني وقلبي وعقلي بالشكر والثناء على المولى عزوجل ، وشعرت بمحبة زوجتي واولادي واخوتي واخواني في الله في كل مكان واساتذتي ودعواتهم التي صاحبتني في صحوتي وغفوتي وسقمي وعافيتي وهذا فضل من الله كبير جزاهم الله عني خير الجزاء انهم نعم الاخوة والاحبة

_ خلوتي مع الله قلبت المحنة الى منحة وجعلتني اعيد حساباتي لأنطلق بشكل افضل من قبل باذن الله لاؤدي دوري في الحياة كما يرضي ربي عز وجل وكما قالت لي احدى بناتي ( لاتخلو اي ازمة من الايجابيات يا ابتي فابحث عن الجوانب الايجابية التي اكتسبتها في هذه الرحلة وتغيرت بداخلك وركز عليها واستفد منها _ فالرياح اذا هبت تساعد الاشجار على التخلص من الاوراق الميتة )

_ فارجو الله ان يكون ماحصل معي طهورا وقبولا لأكون اكثر وعيا وعملا واقبالا على الله واستعدادا للقائه

والحمد لله رب العالمين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين