لم يكن مجرد قبر

يتساءل البعض: أين أصوات المثقَّفين والسياسيين السوريين من أبناء الأقلّيات الدينية أو القومية مِن نبش قبر الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز على يد الميليشيات الإيرانية الطائفية؟

لماذا لم نسمع صوتاً منكِراً لهذا الفعل الهمجي القذر والوحشية المتنافية مع الإنسانية؟

ربّما لا يعلم هذا المتسائل أنّ الكثير من المثقَّفين غير المسلمين ينظرون لبني أمية قوةَ احتلال استعمارية جاءت من الجزيرة العربية لتستعمر وطنهم سوريا، ومنهم من يتجاوز بني أمية ليَعُدَّ العنصر العربي عنصر احتلال في سوريا كما يعتقد المثقّفون الكرد والسريان والأشور.

ولقد أطنب "برنارد لويس" كثيراً عن انبعاث الفتح العربي الاسلامي من الجزيرة، وأنّ الخطأ التاريخي الذي وقع بعد خروج العرب من الجزيرة العربية ولا بدّ -لتصحيح هذا الخطأ- من عودتهم لأرضهم الأصلية.

أعتقد أنّ الوحدة الوطنية السورية في خطر، وغير قابلة للاستعادة ما دامت رؤيتنا للتاريخ مختلفة.

وكثيراً ما كانت العُقَد التاريخية عند البعض هي التي تحكم مواقفهم السياسية.

لا أظنّ أنّ العرب المسلمين سيقفون بدون نكير لمن يَقْدُم على نبش قبر "يوحنا المعمدان" أو قبر "يهوذا" أو قبر "زكريا" الذي يمثّل في ذاكرتهم التاريخية قضية رمزية معتبرة كما هي عند المسيحيين.

وهنا لا بدّ من المرور العابر على نبّاشي القبور من جماعة السلفية الجهادية الذين نبشوا قبر الإمام النووي وقبر الشيخ الحلبي محمد النبهان؛ فهم والميليشيات الطائفية الإيرانية يعملون على طمس الهُويّة والتاريخ.

عمر بن عبد العزيز صَرْح تاريخي مزعج وليس مجرَّد قبر، هو مزعج للعلماني السوري المتصارع مع هُويّته، لأنّه يذكّره بأنّ سوريا مسلمة، ومزعج للقومي الكردي المتعصّب لأنّه يذكّره بعروبتها، ومزعج لفروع الشيعة المتطرّفة لأنّه يذكره بسنّيتها، ورمز العادلة الذي يذكّر الظلمة والمستبدّين بجرائمهم..

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين