أيتها الأُمَمُ المَسْتَعٍبدَةُ

أحمد محمد شاكر


مقال كتبه العلامة المحدِّث الشيخ أحمد شاكر رحمه الله ( بمجلة الهدي النبوي ونشرت في كتاب مستقل بعنوان كلمة الحق ) يحذِّر فيه الأمة مما يحاك حولها من مؤامرات !!


* * *


أيتها الأُمَمُ المَسْتَعٍبدَةُ


أحمد محمد شاكر


يوشك أن تَقع الواقعةُ، وقد تكون هي الحاسمة المدمّرة، على رأَس الطغاة المستبدين المستكبرين. فحذار أن تُخدعوا عن أَنفسكم وعن أَممكم كما خُدعتم من قبل.
إِنهما فريقان يتناحران، ليس بهما إلا الاستبداد والطغيان، وليس بهما إِلا أَن يستعيدكم الفريقُ المُنتصر. لا تصدِّقوا أَن واحدًا من هؤلاء أَو هؤلاء يريد بكم الخير أَو الحرية.
أَيتها الأُمم المستعبدة، من العرب، من أَقصى العراق إلى أَقصى المغرب، ومن المسلمين وغير المسلمين، فيما يسمونه (( الشرق الأوسط )) و (( الشرق الأَقصى )) ! إِنكم ضحيةُ هؤلاء الفجرة، وقد لبثتُم في إِسار الذل والاستبعاد بضعَ مئات من السنين. ذاق هؤلاء الوحوشُ الأُوربيون طعمَ الخيرات في بلادكم، ثم طردهم أَبطالُ الإِسلام في الحروب الصليبية من بلاد الإسلام وبلاد الشرق. وعرفوا منكم ومن بلادكم معنى الحضارة وحقيقة الحرية فلم يستطيعوا صبرًا عن مطامعهم وثاراتهم.
لا تُخدعوا يما يزعمون من دفاع عن الحرية وعن الحضارة، فإِنما الحرية عندهم حريةُ أُوربة، وحريةُ الأُوربيين في أَمريكا وغيرها. وشاهدكم على ذلك ما فعلوا ويفعلون في أَهل أَمريكا الأَصليين إلى اليوم، وما فعلوا ويفعلون في أَهل أَستراليا الأَصليين إلى اليوم.
* * *
لا تُخدعوا بما يسمُّونه (( الدفاع المشترك )) و (( المواقعَ الإِستراتيجية ))، فإِنكم تَرَوْنَ بأَعينكم وتسمعون بآذانكم ما يقولون في صحفهم، وما يعلن به قادتهم وزعماؤهم، وهم يُصارحونكم بأَنهم يأْبَوْن عليكم أن تقفوا موقفَ الحياد بينهم وبين خصمهم، وبأَنهم سيأْخذونكم في صراعهم إِلى جانبهم، رضيتم أَم أَبيْتُمْ. وبأَنكم أَنتم السياج القويُّ دونَهم وبأَنكم الخطُّ الأَول في دفاعهم أَو هجومهم.
وثِقُوا بأَنه إِذا تندَّر الناس يومًا بأَن الإِنجليز قالوا في الحرب الماضية: (سنقاتل إلى آخر جنديّ فرنسي) ! فسيكون حقيقة واقعةً أَن الأُمم التي تسمي نفسها (الديمقراطية) وقد ضمُّوا إِليهم أَعداءَهم السابقين من (النازية) (والفاشية) – ستقول في الصراع القادم: سنقاتل إلى آخر رجل أَو امرأَة أو طفل في الشرق الأَوسط والشرق الأَقصى !! فإِنهم لا يفقهون إِلا أنكم خُلقتم رِدْمًا لهم أولا، ثم غُنْمًا لهم أخيرًا.
أَيها الناس: لا تُخْدَعُنَّ بما في أَيدي بعض أُممكم من مظاهر الاستقلال، فإِنما هو استقلال زائف مُؤَقَّت، سينقلب إِلى أَشد ما لقيتم من قبلُ من أَلوان الاستعباد، إذا ما وقعت الواقعة، وجاءت الطامَّة على رؤوس هؤلاء السادة. وقد جرَّبناهم في حربين سالفتين، فما رأَينا منهم إلا شرًّا، وإِلا استعلاءً واستعبادًا. بل لا تزال أَممٌ كُثْرٌ منكم ترْسِفُ في أَغلال العبوديَّة وما حال المغْرِبَيْنِ الأَدنى والأَقصى منكم ببعيد.
ولا تنسوا أَن هؤلاء الوحوش المتعصِّبين يكرهون اليهود بأَكثر مما تَكْرهون أضعافًا مضاعفةً، ولكنهم في سبيل إِذْلاَلِكم ووضع أَيديهم على أَعتاقكم، وامتصاص خيراتكم ودمائكم – جاؤوا بشُذَّاذ الآفاق من مجرمي اليهود ووضعوهم في قلبكم، قريبًا من الحرمين، وبين العراق والشام ومصر. واصطنعوا لهم دولةً يُمِدُّونها بالمال والعَتَاد، لتملك عليكم أَمركم كلَّه من ناحية. وجعلوها دولة دينية زعموا ! في العصر الذي يَدَّعون أَن الدول الدينية لا بقاء لها ولا قرار.
ولا تظنوا أَنَّ الروس خيرٌ لكم منهم، أَو أَنهم سينصرونكم أَو يَدَعُونكم أَحرارًا إِذَا ما ظفروا، فكل هؤلاء وأُولئك شرٌّ، وكلهم عدوّ. ولكنا نأْبى أَن ننصر عدوًا على عدوٍّ , ونأْبى أن نكتب وثيقة استعبادنا بأَيدينا، لهؤلاء أَو هؤلاء.
بل يجب أَن نقاوم هؤلاء وهؤلاء، بما استطعنا من مقاومة سلبية أَو إِيجابية، فلا تمكِّنَ لواحدٍ منهم في شبرٍ من أَرضنا، ولا بِحَبَّةِ واحدة من قُوتِنا. فمن فعلَ ذلك فهو خائن لأُمته ولبلاده، ولسائر بلاد الشرق من آسيا وأَفريقيا.
* * *
واعلموا – أَيها المسلمون خاصَّة – أَنَّ من خاض منكم غمار الحرب القادمة، مع هؤلاء أَو هؤلاء، ثم كُتبتْ له الحياةُ، كان حيًّا كميِّت، وعاش عبدًا ذليلاً، آثمًا عاصيًا، حتى يُسْلِمَهُ أَجلُه إلى مصيره، وإِن كُتب عليه القتلُ، لم يكن شهيدًا، بل مات خارجًا على دينه، مخالفًا عن أَمر ربِّه، عاصيًا لرسوله ومصيرهُ إِلى النار.
أَيها الناس:
اعْلَمُوا (( أَنَّ أَعْرَابِيًّا أتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ، والرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُذْكَرَ، والرَّجُلُ يُقاتِلُ لِيرَى مَكَانُهُ، فَمَنْ فِى سَبِيلِ الله ؟ فَقَالَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ الله هي العُلْيَا فَهُوَ في سَبِيلِ الله )) حديث صحيح رواه أحمد وأصحاب الكتب الستة من حديث أبي موسى الأشعري.
وأَنه (( جاء رجل إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أَرَأَيْتَ رَجُلاً غَزا يَلْتَمِسُ الأَجْر والذِّكْرَ مَالَهُ ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: لاَ شَيءَ لَهُ، فَأَعَادَهَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ يَقُولُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: لاَ شَيءَ لَهُ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الله لاَ يَقْبَلُ مِنض العَمَلِ إِلاَّ مَا كَانَ خَالِصًا، وَابْتُغِىَ بِهِ وَجْهُهُ )) رواه أحمد والنسائي من حديث أبي أمامة.
أَيها الناس: قد أَنذرتُكم فاحْذَروا.                                  أحمد محمد شاكر

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين