فضل الجود في رمضان

انتقاء الشيخ: مجد مكي

في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم أجْودَ الناس، وأجوَدَ ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان، يعرضُ عليه رسول الله القرآن، فإذا لقيه جبريل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجودَ بالخير من الريح المرسلة.
معنى الجود:
الجود: هو سَعَةُ العَطَاء وكثرتُه، والله تعالى يوصف بالجود.
روى الترمذي من حديث سعد بن أبي وقاص عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الله جوادٌ يحبُّ الجود، كريمٌ يحبُّ الكرم).
تضاعف جود الله عزَّ وجل في رمضان:
فالله سبحانه وتعالى أجود الأجودين، وجوده يتضاعف في أوقات خاصَّة، كشهر رمضان، وفيه أنزل قوله:[وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ] {البقرة:186}.
وفي الحديث الذي خرَّجَه الترمذي، أنَّه ينادي فيه مُنَادٍ: (يا باغي الخير هلم، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة).
أنواع جود الرسول صلى الله عليه وسلم :
ولما كان الله عزَّ وجل قد جبل نبيَّه صلى الله عليه وسلم على مكارم الأخلاق وأكملها وأشرفها، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس كلهم، كما أنَّه أفضلهم وأعلمهم وأشجعهم وأكملهم في جميع الأوصاف الحميدة.
وكان جوده صلى الله عليه وسلم يجمع أنواع الجود من بذل المال والعلم، وبذل نفسه لله في إظهار دينه وهداية عباده، وإيصال النفع إليهم بكل طريق من إطعام جائعهم ووعظ جاهلهم، وقضاء حوائجهم.
ولم يَزَلْ صلى الله عليه وسلم على هذه الخصال الحميدة منذ نَشَأ، ولهذا قالت خديجة رضي الله عنها في أول مبعثه:( والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لَتَصِلُ الرَّحم، وتقْري الضيف، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق).
ثم تزايدت هذه الخصال فيه بعد البعثة، وتضاعفت أضعافاً كثيرة.
من صور جوده صلى الله عليه وسلم :
في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسنَ الناس، وأشجع الناس، وأجْود الناس).
وفي صحيح مسلم عنه قال: (ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئاً إلا أعطاه، فجاء رجل فأعطاه غنماً بين جبلين، فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا فإنَّ محمداً يعطي عطاء مَنْ لا يخشى الفاقة).
وفي الصحيحين عن جُبير بن مطعم أنَّ الأعراب علقوا بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم مَقْفله من حُنَيْن ـ أي: حين رجوعه ـ يسألونه أن يقسم بينهم، حتى اضطروه إلى سَمُرة ـ شجرة ـ فخطفت رداءه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أعطوني ردائي، فلو كان لي عود هذه العِضَاة ـ شجر له شوك ـ نَعَماً لقسمته بينكم، ثم لا تجدوني بخيلاً ولا كذوباً ولا جباناً).
وكان جوده صلى الله عليه وسلم كله لله، وفي ابتغاء مرضاته، يبذل المال لفقير أو محتاج، أو ينفقه في سبيل الله، أو يتألَّف به على الإسلام من يقوى الإسلام بإسلامه.
وكان يُؤثر على نفسه وأهله وأولاده، فيعطي عطاء يعجز عنه الملوك مثل: كسرى، وقيصر، ويعيش في نفسه عيش الفقراء، فيأتي عليه الشهر والشهران لا يوقد في بيته نار، وربما ربط على بطنه الحجر من الجوع.
وكان قد أتاه سَبْي مرَّة، فشكت إليه فاطمة ما تلقى من خدمة البيت، وطلبت منه خادماً يكفيها مؤونة بيتها، فأمرها أن تستعين بالتسبيح والتبكير والتحميد عند نومها، وقال: ( لا أعطيك وأدعُ أهلَ الصُّفَّة تطوى بطونهم من الجوع).
وفي تضاعف الجود في شهر رمضان فوائد كثيرة منها:
1 ـ شرف الزمان ومضاعفة أجر العمل فيه:
روى الترمذي عن أنس مرفوعاً: (أفضل الصدقة صدقة في رمضان ).
2 ـ إعانة الصائمين والقائمين والذاكرين على طاعاتهم، فيستوجب المعين لهم مثل أجرهم، كما أنَّ من جهَّز غَازِياً فقد غزا، ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا.
وفي الحديث: (من فطَّر صائماً فله مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء ).
3 ـ شهر رمضان شهر يجود الله فيه على عباده بالرحمة والمغفرة والعتق من النار، والله يرحم من عباده الرحماء، فمن جاد على عباده جاد الله عليه بالعطاء والفضل.
4 ـ أنَّ الجمع بين الصيام والصدقة من موجبات الجنة كما في حديث علي رضي الله عنه قال: (إنَّ في الجنة غُرَفاً يرى ظاهرها من بطونها، وبطونها من ظهورها، فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: هِيَ لِمَنْ قَالَ طَيِّبَ الْكَلاَمِ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَفْشَى السَّلاَمَ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ).
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
باختصار من كتاب (لطائف المعارف) لابن رجب الحنبلي

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين