عصر الرويبضة

لكل شيء في الوجود وجه إيجابي وآخر سلبي. وبعض الأشياء يغلب عليها الإيجابية وأخرى تغلب عليها السلبية.

الأمر نفسه ينطبق على ثورة 17 تشرين في لبنان، ففيها الأمور الإيجابية، وهي كثيرة، وفيها بعض الأمور السلبية، وهي على قلتها تطغى على النواحي الإيجابية وتنغص على الصادقين والمخلصين.

من هذه السلبيات تصدر التافهين المشهد العام في بعض الأحيان، بحيث يكون أداؤهم سبة على الحَراك الشعبي المطالب بكرامته .

وقد ساعد على بروز أمثال هؤلاء أمران:

الأمر الأول : البث الإعلامي المباشر القائم على الانتقائية العشوائية في بعض الأحيان.

الأمر الثاني: وسائل التواصل الإجتماعي التي أتاحت لكل إنسان أن يتحفنا بعقله وفهمه وثقافته، فكان هذا سببا لانتشار التفاهات والافتراءات والتهجم بلا رادع من دين أو خلق على الكبار، بل واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة لابتزاز الشرفاء والفضلاء الذين بات أكبر همهم دفع تسلط السفهاء والمرتزقة الذين لا يتورعون عن نشر الأكاذيب والافتراءات حولهم في محاولة رخيصة للابتزاز.

لقد بات الأمر تماما كما وصفه الفيلسوف الإيطالي أمبرتو إيكو عندما اعتبر أن أدوات مثل تويتر، وفيسبوك والواتس آب، وأمثالها «تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى، ممن كانوا يتكلمون في البارات فقط بعد تناول كأس من النبيذ، دون أن يتسببوا بأي ضرر للمجتمع، وكان يتم إسكاتهم فورًا. أما الآن فلهم الحق بالكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل. إنه غزو البلهاء».

والطامة الكبرى ليست في افتراءات أولائك، وإنما في قبول الناس لها على أنها مسلمات، ونشرها دون تثبت وتروٍٍ، وبذلك يساعدونهم فيما يقترفونه من جرائم، ويسهلون لهم عملية الابتزاز الرخيصة التي يستحلون بها أعراض الشرفاء وأموالهم.

لقد كان الناس فيما مضى من الزمان يغلب عليهم اعتبار القول بقائله، فلا ينصتون إلا لمن هو أهل للكلام ، ولا يقبلون إلا ما كان له مستند من دين أو خلق.

أما اليوم فإن الغالب على الناس استمراء الكذب واستهواء نشره، وبخاصة إذا كان فيه طعن بأعراض الشرفاء والعلماء والفضلاء، وكأن هؤلاء باتوا على قلتهم هدفا لأحقاد العامة التي غلب عليها التفاهة. حتى صار الأمر على ما وصفه الإمام الشافعي في بعض شعره:

كـم عـالـمٍ مُـتَـفَـضِّـلٍ قـد سـبَّـهُ=مـن لا يـسـاوي غِـرزَةً فـي نـعـلـهِ

وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بين يدي الساعة سنين خداعة، يُصّدَّقُ فيها الكاذب ويُكَذَّبُ فيها الصادق، ويُخَوَّنُ فيها الأمين ويؤتَمَنُ فيها الخائن، ويتكلم في الناس الرُّوَيبضة).

قالوا: وما الرويبضة يا رسول الله؟

قال: (هو التافه يتكلم بأمر العامة).

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين