ورقات في تاريخ القدس وفلسطين(9)

(9) فلسطين بعد صلاح الدين واسترداد المسجد من الصليبيين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد.

معركة حطين الصغرى: أدى النزاع بين الأيوبيين إلى التفريط ببيت المقدس مرة أخرى، وتسليمه للصليبيين؛ فبعد أن احتدم الصراع بين صاحب مصر، نجم الدين أيوب، وبين عمه صاحب دمشق الصالح إسماعيل؛ تحالف الصالح إسماعيل مع الصليبيين، ضد نجم الدين في مصر، وتعهد لهم مقابل ذلك أن يعطيهم بيت المقدس، ويعيد لهم مملكة الصليبيين، على ما كانت عليه قديماً، بما فيها الأردن؛ فثار المسلمون في مصر والشام على الصالح إسماعيل، ورفضت بعض حاميات جيشه أوامرَه، وانضمت إلى جيش نجم الدين في مصر، وسارع الصليبيون فاستولوا على بيت المقدس، وذلك عام: (641 ه) ودنسوا الصخرة، وأبطلوا الأذان والإقامة في المسجد الأقصى، وأعلنوا فيه بالكفر، وخرج الصالح إسماعيل صاحب دمشق بجيش كبير لغزو مصر؛ فانشقت الحامية الشامية عن الصالح إسماعيل، ومالت مع جيش مصر على الصليبيين، فهزموهم هزيمة عظيمة، عرفت بمعركة حطين الصغرى.

الخوارزميون والمسجد الأقصى: الخوارزميون مسلمون أتراك، كان لهم دولة كبيرة في خوارزم، سقطت على يد المغول عام: (628 ه)، تفرقوا بعدها في البلاد، فمنهم من ذهب إلى سلاجقة الروم، ومنهم من أوى إلى الأيوبيين في مصر، استعان بهم نجم الدين صاحب مصر؛ فاستطاعوا استرداد بيت المقدس من الصليبيين، عام: (642 هـ) وطردهم منه، ثم توجهوا بعدها إلى مصر، واتحدوا مع جيش نجم الدين في مصر، وخاضوا مع الحلف الشامي الصليبي في غزة معركة عظيمة، هزموهم فيها هزيمة نكراء، وذلك عام: (642 هـ)، استطاع نجم الدين أيوب بعد معركة غزة بسط سيطرته على غزة والقدس، وغيرها من المدن، وتوجيه ضربات موجعة للصليبيين.

شعر الصليبيون بعدها في أوربا بتعاظم قوة المسلمين في المشرق؛ فقاموا بإرسال حملة صليبية سابعة إلى المشرق الإسلامي، جعلوا على قيادتها الملك: لويس التاسع، وكانت وجهتها مصر؛ فاستعدَّ لها صاحب مصر أيما استعداد، وجرت في هذه الأثناء اتصالات بين الصليبيين والمغول؛ لاحتلال بيت المقدس، لكن هذه المراسلات لم تفلح، ورست الحملة قبالة دمياط، واستطاع الصليبيون الاستيلاء عليها عام: (647 هـ)؛ رغم ما قام به الأيوبيُّون من تحصين سابق لها.

بعد استيلاء الصليبيين على دمياط؛ قرروا الزحف إلى بيت المقدس بعد أن يستولوا على القاهرة، وكان المسلمون بقيادة تورانشاه -الذي خلَف أباه نجم الدين أيوب- قد تمركزوا في المنصورة مقبرةَ الصليبيين، وفيها جرت بينهم وبين الصليبيين معركة عظيمة، انهزم فيها الصليبيون هزيمة منكرة، ووقع فيها لويس التاسع أسيراً بيد المسلمين، مما اضطرهم لعقد صلح مع المسلمين، مدته عشر سنين، ينسحبون بموجبه من دمياط، وفشلت بذلك حملتهم الصليبية السابعة في الاستيلاء على بيت المقدس، ثم خلف المماليكُ الأيوبيين في الحكم، واستطاعوا تطهير بلاد الشام ومصر من الوجود الصليبي، والقضاء على آخر مملكة صليبية في الشام.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين