ورقات في تاريخ القدس وفلسطين(7)

(7) فلسطين بين مشروع نور الدين وتحرير صلاح الدين 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد.

ارتبط تحرير بيت المقدس عند كثير من المسلمين بصلاح الدين الأيوبي، وغاب عنهم ذكر الرجل العظيم، الذي رسم صورة النصر وخطط له، ووضع قواعده وأرساها، وأعدَّ له الرجال وهيَّأها؛ إنه القائد العظيم: نور الدين محمود زنكي، الذي جعل من عمر بن عبد العزيز قدوةً له في استنهاض الأمة، وإعادة بنائها؛ وما كان صلاح الدين إلا ثمرة من ثمرات مشروعه الكبير، فلم يترك نور الدين الصليبيين يشعرون بالأمن في بلاد المسلمين، بل ظل يطارهم من مكان لمكان، ومن حصن لحصن، وعيونه على بيت المقدس، حتى إنه قضى أكثر حياته على ظهور الخيل، وكان من أهم أعماله: هزيمة الفاطميين حكام مصر، وتولية صلاح الدين عليها، الذي استطاع تطهيرها من آثارهم. 

معركة حطين الصغرى: كانت معركة صفوريَّة باكورة انتصارات صلاح الدين الكبرى على الصليبيين، كسر فيها شوكتهم، وكبَّدهم خسائر كبيرة؛ فاستعدوا للقائه ثانية؛ فاستدرجهم صلاح الدين إلى سهل حطين، واستطاع أن يحول بينهم وبين ماء طبرية، ودارت بينهم معركة حطين (583 ه)، هزمهم فيها صلاح الدين نفسيَّاً؛ قبل أن يهزمهم عسكريًا، وذلك بعد أن استولى على صليبهم الأكبر صليب الصلبوت، فوهن ذلك فيهم فهزموا؛ بعد أن قتل منهم خلقٌ كثير، ووقع كثير منهم في الأسر، على رأسهم الملك: جاي، والأمير: أرناط، وكانت معركة حطِّين مقدمةً لفتح بيت المقدس. 

فتح بيت المقدس: توجَّه صلاح الدين إلى القدس في نفس العام (583هـ)، وعرض على أهلها الصلح، وتسليمها دون قتال، لكنَّهم أبوا وتعنتوا، فأقسم ألا يدخلها إلا بحدِّ السيف، فحاصرها، وبدأتْ ضرباته إليها، ودام حصارها أيامًا، حتى إذا ما ضعف أهلها، وملُّوا القتال، وأيقنوا أنَّ المدينة ساقطة؛ عرضوا عليه الصلح كما طلب، فأبى إلَّا أن يبرَّ بقسمه، فخرج إليه قسيس من قساوستها، وكلَّمه في أن يدخلها صُلحًا، ويأخذ الجزية ممَّن قدر على دفعها، ويأخذ البقية أسرى، وإلا فسيقتلون ذراريهم، ونساءهم، وأنفسهم؛ بعد أن يقتلوا من بأيديهم من أسرى المسلمين؛ فقبل صلاح الدين ذلك، وكفَّر عن يمينه، ثم دخل القدس سِلمًا بعد أيام من حصارها، وأخذ الجزية ممَّن قدر على دفعها من الصليبيين، ووقع الباقون في الأسر.

هرقل وأسرى الصليبيين: خرج هِرقل من القدس بخزائنه، تاركاً فقراء الصليبيين بيد صلاح الدين أسرى، لكنَّ صلاح الدين أحسن إليهم، ومَنَّ على أكثرهم، وضرب أروع الأمثلة في سماحة الإسلام، وحسن تعامله مع الأمم الأخرى، ثم دخل المسجد الأقصى، وطهره والقدس من أدران النصارى، وأقام للمسجد إمامًا، وخطيبًا، وقاضيًا، ثم أقيمتْ فيه أول صلاة جمعة، وعمَّتْ الفرحة بلادَ المسلمين بهذا النصر العظيم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين