مُخلِص: يَنصح فيُحزن فيُحسن.. ومنافق: يَمدح فيَسرفيَضرّ!

قال الحاكم للعالم:عظني، فوعظه، فأحزنه فأحسن إليه.. كان هذا في الزمن القديم!

وقال الحاكم للعالم: أصدِر فتوى، تزيّن للناس قراري، فأصدرها، فسرّه، وضرّه، وضرَ الأمّة.. صار هذا في العصر الحديث!

أهو عصر سيادة النفاق؟ ربّما! لكن، ألم يكن النفاق قديماً؟ بلى!

إن النصيحة المخلصة الصادقة، قديمة وحديثة.. وإن النفاق قديم وحديث.. فما الفروق بين النصيحتين؟ وما الفروق بين النفاقين؟

إن الفروق تبدو ضخمة، في كلتا الموازنتين!

الفروق بين النصيحتين، القديمة والحديثة:

النصيحة مرتبطة بالمنصوح، وهو، هنا، الحاكم: ملكاً أو رئيساً أو سلطاناً.. سواء أكان قديماً أم حديثاً!

والمنصوح القديم، الحاكم: سيّد قراره، ليس مرتبطاً بحاشية تقيّده، ولا خاضعاً لسيّد، من خارج بلاده، يراقب تصرّفاته وقراراته! لذا؛ فهو يأخذ النصيحة، كما أرادها الناصح، ويتأثر بها! وقد تُبكيه، أو تَثنيه عن قرار فاسد، أوعن سلوك سيّء!

أمّا المنصوح الحديث، الحاكم: فهو، غالباً، محاط بحاشية سيّئة، اختارها بنفسه، وفقاً لِما يمليه عليه خلقه ومزاجه، وعلى ضوء ارتباطه، بالسيّد الخارجي، الذي يدعمه ويثبّت حكمه! لذا؛ قلما تجدي معه النصيحة الصادقة، وقلّما يجد ناصحاً صادقاً، يجرؤ على نصحه بإخلاص! فالناصح يخاف من الحاكم، نفسه، أوّلاً.. ويخاف، ثانياً، من الحاشية، التي تتربّص الدوائر، بكلّ ناصح مخلص؛ لتحرّض عليه المنصوح؛ بتلفيق تهمة شديدة الخطرعليه.. ويخاف، ثالثاً، من عيون السيّد الخارجي، المنبثة حول الحاكم، والتي تنقل إلى السيّد، كلّ صغيرة وكبيرة عنه!

الفروق بين النفاقين:

أمّا النفاق القديم، فنماذجه كثيرة، شعراً ونثراً! وكثيراً مايُغدق الحاكم، على المنافق، أموالاً طائلة، كسباً لصوته، الذي يُعَدّ جزءاً من الإعلام، الذي يحرص عليه! وقد يكون الحاكم ذا خلق نبيل، فيتواضع، إزاء مايكال له من المديح.. وبعضُهم يَزهد، بأنواع من المديح، أو من المبالغة فيه!

وأمّا المنافق الحديث: فيكيل لحاكمه المدائح، بمكاييل ضخمة، بلا حرج! ولا يجد عند ممدوحه، سوى الاستحسان، والمكافآت السنيّة! وفي أكثر الحالات، يكون الحاكم، نفسه، منافقاً، يعرف فنون النفاق وأساليبه!

من نماذج النفاق الطريفة: تشبيه الحاكم الفاسد، ببعض القادة الأفذاذ، في تاريخ الأمّة، من صحابة وتابعين ومصلحين، وأبطال بارزين.. ووصف الحاكم، بصفات الأنبياء، بل؛ جعله نبيّاً، في بعض الحالات، كما وصَف أحد المنافقين حاكمَه، في بلد عربي، يعتنق أكثر أهله الإسلام!

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين