إضاءات قرآنية من سورة البلد ...للراغبين بإصلاح أحوال كل بلد

الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين ، أما بعد ،

أقسم الله تعالى في سورة البلد بالبلد الحرام مكة المكرمة وبإبراهيم أبي الأنبياء وبولد اسماعيل محمد خاتم الأنبياء ، صلى الله عليهم وسلم ، وإن المقسم عليه هو أن الله خلق الإنسان في كبَد ، أي خلقه لتحمل أعباء التكليف الرباني ، مذكرا إياه بحقائق قطعية : أنه مخلوق لا خالق ، ضعيف أمام قدرة الله "أيحسب أن لن يقدر عليه أحد" ، وأنه تحت رقابة الله "يقول أهلكت مالا لبدا أيحسب أن لم يره أحد"

وأن الله تعالى أبدع في خلقه ومكّنه من حمل الأمانة ، فجعل له عينين تقرآن كون الله ووحي الله ، وجعل له لسانا ناطقا بالبيان بين شفتيه مجادلًا ومخاصما ، وهداه النجدين أي الطريقين طريق الفلاح الأبدي باتباع نهج النبوة الخاتمة، وطريق الهلاك الأبدي بإهمال وحي السماء.

ثم جعلنا الله مخاطبين بعدم الاستسلام للعقبات ، بل باقتحام العقبة بكل مكوناتها وصعوباتها ، والقيام بمهمات شريفة نبيلة تحافظ على كرامة الإنسان من خلال إطعامٍ في يوم ذي مسغبة - أي ذي مجاعة -يتيما ذا مقربة أو مسكينًا ذا متربة - التصقت يداه بالتراب لفقره - وجعلنا مخاطبين بالأمر نفسه من رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم -وجائزة ذلك عظيمة جدا - في الحديث الشريف "أطعموا الطعام ، وصِلوا الأرحام ، وصلّوا بالليل والناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام ".

إن الإنسان يكابد أيضا الشدائد والأخطار في الدنيا وما بعدها، وإن مما يخفف عنه هذه الأعباء والأهوال على أنواعها الاجتهاد في القربات ، والمسارعة في المكرمات ، مع الإيمان العميق بوحدانية الله ، والتفاعل الاجتماعي الرباني المسمى "بالتواصي بالصبر" "والتواصي بالمرحمة" ، فله بُعدان : بُعد نفسي رائع من خلال تعزيز ثقافة الصبر في النوازل واحتساب أجرها عند الله ، وبُعْدٌ ماليّ إغاثيّ عاجل عبر توفير احتياجات عيال الله رحمةً بهم ، وقربة لخالقهم الذي أودع حقهم لدى الأغنياء أمانةً واختبارا لهم ، لا نسيانا منه لإعالتهم ، فهل أدرك ذلك كثير من المبتلين بآفة الشح !!، هل أدركوا أنهم حين يبخلون فقد بخلوا على أنفسهم وضيعوا أمانة الله لديهم وحرموا نفسهم فرصة أن يكونوا من أهل الميمنة !!!

وهل أدرك ولاة الأمور أن المال العام امتحان كبير لهم ؟وأنهم سيسألون عن كل غرش يوم القيامة ؟!

إن التفاني في خدمة المصابين والمحاصرين بالوباء والبلاء وإنقاذ حياتهم يندرج تحت عموم قول الله تعالى : "ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعا " فإن في إمداد النفس بأسباب البقاء أجرا عظيما ، فكيف إذا أصيب الطبيب أو الممرض أو المسعف بالوباء جراء القيام بالإنقاذ أو مات أحدهم جراء القيام بمهمته الإنسانية النبيلة !!

ولقد شاهد العالم كله إصابة عدد من الأطباء المسلمين في إيطاليا جراء رباطهم الطبي المبارك في المستشفيات وإغاثة الملهوفين المصابين ، فالله نسأل أن يرحمهم ويجزل ثوابهم.

إن علامة أن يكون المرء من أصحاب المشأمة أن يكفر بالحقائق التي أنزلها الله تعالى ، وأن يُعرض عن كل رسائل التذكير التي يرسلها الله ، وأن يتخذ آيات الله هزوا ، وأن يحسب أنه الأقوى والأبقى والأغنى ، فيستبيح كل شيء ، فيؤدبه القدير بجرثومة مجهرية حقيرة!!

قُتل الانسان ما أكفره!!

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين