خصائص شهر رمضان

الشيخ مجد مكي


لشهر رمضان خصائص كثيرة ، ومزايا عديدة ، فهو شهر الصبر ، وشهر تصفيد الشياطين ، وفتح أبواب السماء ، وأبواب الجنة ، وأبواب الرحمة ، وشهر المغفرة ، إلى غير ذلك من الخصائص ، التي سأبينها في هذه الخطبة :
فهو شهر الصبر: سمَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم شهر رمضان: شهر الصبر.
وقد اختصَّ رمضان بأنه شهر الصبر لما فيه حبس النفس عن المفطرات المادية والمعنوية والانشغال بأنواع العبادات التي منها قيام ليالي رمضان، والإكثار من تلاوة القرآن.
وحَبْسُ النفس عن شهواتها في أيام شهر كامل، فيه تدريب لها على اكتساب فضيلة خُلُق الصبر، فحقَّ لهذا الشهر أن يوصف بأنه شهر الصبر.
إنَّ من استطاع أن يكفَّ نفسه عن شهوات بطنه وفرجه المباحة في غير الصوم، خلال أيام شهر كامل، استطاع أن يكفَّ نفسه بعد ذلك فيصبر عن الشهوات المحرَّمة، ويصبر على الطاعات، ويصبر على المصائب، لأنه قد تدرَّب بالصيام في رمضان على فضيلة خلق الصبر.
والصبر هو قوة خُلقية من قوى الإرادة، تمكِّن الإنسان من ضبط نفسه لتحمل المتاعب والمشقات والآلام، وضبطها عن الاندفاع بعوامل الضجر والجزع، والسأم والملل، والعجلة والرعونة، والغضب والطيش، والخوف والطمع، والأهواء والشهوات.
والإنسان وضع موضع الابتلاء في ظروف هذه الحياة. قال الله عزَّ وجل:[أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ] {آل عمران:142}.
والصبر ضرورة حياتية لكل عمل نافع، فكسب الرزق يحتاج إلى صبر، وطلب العلم يحتاج إلى صبر، ومعاملة الناس تحتاج إلى صبر، والقيام بالواجبات والكف عن المحرمات يحتاج إلى صبر، والجهاد في سبيل الله تحتاج إلى صبر، ومقارعة شدائد الحياة يحتاج إلى صبر...
لذلك كان الإنسان بحاجة في كلِّ سنةٍ إلى دورة تدريبية يتدرَّب فيها على خُلق الصبر، وذلك في شهر يصبر فيه على الجوع وعلى الظمأ، وعلى كفِّ النفس عن شهواتها.
وشهر رمضان هو شهر هذه الدورة الخلقية العظيمة الرائعة.
شهر تصفيد الشياطين:
روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا دَخَلَ شهرُ رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلِّقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين) أي: حبست وسجنت وضربت على أعضائها القيود والسلاسل.
كيف تقع المعاصي في رمضان، ما دامت الشياطين أسيرة حبيسة؟؟
إنَّ المعاصي التي تصدر من بني آدم تصدر بتأثير إرادتهم، واختيارهم الحر، ففي النفوس أهواء وشهوات ودوافع مختلفة، ووساوس الشيطان من قبيل الإغواء غير المباشر، والكيد الضعيف، فتصفيد الشياطين في شهر رمضان تعني إزالة عقبة من طريق الإنسان من أصل عقبات كثيرة موجودة في داخل الإنسان.
قال الله تعالى:[إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الغَاوِينَ] {الحجر:42}. [إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ] {النحل:100}. 
فوظيفة الشيطان هي الوسوسة، في صورة خواطر تزيِّن الإثم والمعصية.
فمن صام صياماً حقيقياً، كسر شهوته، ولا يجد الشيطان طريقاً إلى نفسه لتحريك شهوته فيكون كالسجين المقيد بالسلاسل، أما من لم يصم صياماً حقيقياً فإن شيطانه طليق لا يجد ما يقيده عن إغواء صاحبه.
شهر فتح أبواب السماء:
فتح أبواب رحمة الله لتنزُّل العطاء وقبول الدعاء والعطاء بمضاعفة الثواب، وغفران الذنوب.
شهر فتح أبواب الجنة:
إن مفاتيح أبواب الجنة الأعمال الصالحة، وهذه المفاتيح تكثر في شهر رمضان، من الدعاء والتوبة والصيام القيام..
روى البخاري ومسلم عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (في الجنة ثمانية أبواب منها باب يسمَّى الريَّان لا يدخله إلا الصائمون).
شهر تغلق فيه أبواب جهنم:
لأن المؤمنين يبتعدون عن المعاصي التي تجرهم إلى النار، فإذا ابتعدوا عن المعاصي وكبائر الإثم فتحت لهم أبواب الرحمة وأغلقت دونهم أبواب جهنم.
شهر فتح أبواب الرحمة:
إن فتح أبواب الرحمة في رمضان يدخل في عمومه فتح أبواب السماء، وفتح أبواب الجنة، وتغليق أبواب جهنَّم.
ويدخل في عموم الرحمة ما جاء في حديث سليمان الفارسي الذي رواه البيهقي في شعب الإيمان: (وهو شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار).
فالرحمة في أوله تتمثل بفتح أبواب السماء والجنة، وبما أن رحمة الله سبحانه تكثر في رمضان على عباده المؤمنين الصائمين، فإن واجب الشكر لله يستدعي منهم أن تتدفق قلوبهم بالرحمة في هذا الشهر المبارك على عباد الله البائسين، وذوي الحاجات والضرورات، ليكون نصيبهم من الرحمة أكثر، وحظهم من المغفرة أوفر.
روى أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء).
فإذا كان الأمر كذلك في كل آن، فكيف يكون حال الراحمين من المؤمنين في موسم تفتح فيه أبواب رحمة الله، وهو شهر رمضان.
وحين نتدبَّر ما رواه البخاري ومسلم عن جرير بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يَرْحَمُ الله من لا يَرْحَمُ الناس).
فمفتاح تلقي رحمة الله العظيمة أن يرحم العبد غيره من الناس، أما من كان قاسي القلب، لا يندى برحمة نحو عباد الله، فإن قسوة قلبه تحجب عنه فيوض رحمة الله.
روى أحمد والترمذي عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تنزع الرحمة إلا من شقي).
روى مسلم عن عياض بن حمار المجاشعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أهل الجنة ثلاثة ؛ ذو سلطان مقسط، ورجلٌ رحيم رقيق القلب لكلِّ ذي قربى ومسلم، وعفيفٌ متعفف ذو عيال). فالرحيم رقيق القلب هو أحد الأصناف الثلاثة الذين هم من أهل الجنة.
شهر المغفرة لمن صامه وقامه:
(من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه).
( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ) البخاري ومسلم.
إيماناً: بدافع الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر، لا عن عادة أو تقليد، أو لمصلحة دنيوية.
واحتساباً: أي: خالصاً لوجه الله عزَّ وجل يبتغي ثواب عمله، ويحتسب أجره عنده.
غفر له ما تقدم من ذنبه: أي: مما يكون بينه وبين ربه، أما حقوق العباد كالديون فإنها لا تسقط عنه.
وبما أن شهر رمضان: شهر فتح أبواب السماء، وفتح أبواب الجنة، وتغليق أبواب جهنم، وشهر المغفرة، لذلك يقف منادٍ من الملائكة ينادي: يا باغي الخير أقبل: فالجنة مفتحة أبوابها.
ويا باغي الشر أقصر، فإنَّ أمامك فرصة عظيمة لتكفير سيئاتك، وتمنعك من النار، فأبواب النار مغلقة، وأبواب الجنة مفتحة.
وقيام رمضان يكون بصلاة التراويح من أول الليل، ويكون بصلاة ركعات في آخر الليل عند السَّحَر تهجُّداً، فمن فعل شيئاً من ذلك إيماناً واحتساباً استحق مغفرة الله له ما تقدم من ذنوبه.
روى الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله عزَّ وجل فرض صيام رمضان، وسَنَنْتُ قيامه فمن صامه وقامه إيماناً واحتساباً خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه) أي: تكون صفحة بيضاء نقيّة من الذنوب.
الاجتماع في المساجد لصلاة التراويح:
توارثه المسلمون منذ أيام الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد فعله الرسول صلى الله عليه وسلم بضع ليالٍ ثم انقطع ولم يتابع، خوف أن يُفرض عليهم ويعجزوا عن أداء الفريضة.
شهر رمضان شهر إجابة:
روى الطبراني عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوماً وقد حضر رمضان: (أتاكم رمضان، شهر بركة يغشاكم الله تعالى فيه، فينزل الرحمة، ويحطُّ الخطايا، ويستجيب فيه الدعاء، وينظر الله إلى تنافسكم فيه، ويباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيراً، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله عزَّ وجل).
وروى البزار عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لله تبارك وتعالى عتقاء من النار في كل يوم وليلة ـ يعني: في رمضان ـ وإنَّ لكل مسلم في كل يوم وليلة دعوةً مستجابة).
فشهر رمضان شهر مغفرة ورحمة ودعاء وإجابة في أيامه ولياليه...
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين