فيروس كورونا هل هو من جند الله؟

كتب إلي أحد الأصدقاء الفضلاء يقول: وصلني مايسمى حوار بين صديقين آمل إبداء الرأي فيه جزاك الله خيرا

 

حوار مع صديقي حول فيروس كورونا.

قال صديقي : ان فيروس كورونا جندي من جنود الله يسلطه على من يشاء من عباده.

قلت له وما دليلك على أنه جندي من جنود الله.

قال : قال الله تعالى : وما يعلم جنود ربك إلا هو .

قلت له : هذه الآية فيها دليل واضح على ان الله وحده هو الذي يعلم بجنوده وليس لأحد من الخلق ان يدعي أنه يعرف جنود الله.

فكيف تزعم أن فيروس كورونا هو جندي من جنود الله ؟

ثم سألته ماذا لو أن أعداء جند الله ( كما تزعم ) تمكنوا من تصنيع علاج يفتك ويقتل فيروس كورونا ؛ فهل معنى ذلك أن أعداء الله تمكنوا من قتل جند الله والانتصار على جند الله؟؟

أليس ذلك مناقضا لقوله تعالى : وإن جندنا لهم الغالبون؟؟ .

بعدها تعطلت لغة الكلام مع صديقي.

كم أتمنى أن تتوقف التفسيرات الدينية الاجتهادية غير الدقيقة للظواهر الكونية لأنها تسيء لنا كثيرا كمسلمين.

فكتبتُ في جوابه:

رأيي المتواضع أنه حوار سطحي ساذج من جهة ناشره الذي يشهد لنفسه بالانتصار في مواجهة "فكرية" ليس عليها شاهد غيره، وغير الخصم الذي لا نعرفه ولم نسمع شهادته.

علما بأن في كلام هذا المُحاجّ المتعالم المتباهي بتفوقه في الحجة ما يبطل احتجاجه وينفِّس انتفاخه كما سيأتي بيانه إن شاء الله.

لكن أقول: ومن يدري؟ فلعلنا لو سمعنا شهادة الخصم لوجدنا له الغلبة.

ولوجدناه يفحم خصمه ويدحض حجته التافهة التي ادعى فيها أن قوله تعالى : (وما يعلم جنود ربك إلا هو)

فيه دليل واضح على ان الله وحده هو الذي يعلم بجنوده وليس لأحد من الخلق ان يدعي أنه يعرف جنود الله.

فلعل الخصم قال له جوابا على هذه الحجة الواهية: يا أخي (وما يعلم جنود ربك إلا هو) عندما تكون تلك الجنود في طي الغيب لم تظهر بعد.

فهذا حق.

وما كان هذا العالَم الذي ظن أنه بلغ الذروة في الوصول إلى المعلومات الاستخباراتية أو المستقبلية من أخبار طقس المستقبَل أو اقتصاد المستقبَل أو الخرائط السياسية أو حتى الجيولوجية المستقبلية...

ما كان يظن أن الأيام تخبئ له هذا الجندي من جنود الله، الذي سيكون العالم كله عاجزا أمامه إلى هذا الحد الذي ما كان أحد منا يتصوره في يقظة ولا منام، من خلو أجواء الأرض كلها من الطائرات السياحية، وخسارة الأسواق المالية آلاف المليارات في فترة وجيزة، وتعطيل نظام الحياة في دول العالم، وانغلاق الدول على نفسها، بل انغلاق الأفراد والأسر على أنفسهم في مختلف أرجاء الأرض، بعد أن شُلَّت حركة الحياة المعتادة في جل أقطار الدنيا، فزعا من هذا الجندي من جنود الله.

وما زال عدّاد الإصابات والوفَيات في مختلف أرجاء الأرض في تصاعد متسارع.

أجل ما كان البشر يعلمون هذا الجندي العجيب كورونا 19 قبل ظهوره.

أمّا وقد ظهر وفتك وقهر، فهل يقول عاقل بعد ذلك: لا نعلم إن كان هذا من جنود ربنا أم لا.!!!

وهل يصح أن نشك أو نتردد في شيء ذي قوة أو بأس، في أنه من جنود الله أم لا؟

أليس قد قال الحق سبحانه في موضعين من صدر سورة الفتح: (... وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِۚ ..) [سورة الفتح 4 - 7]

فهل يخرج عن جنود السموات والأرض جندي؟!!

ثم ما يدرينا لعل خصم هذا الراوي للمحاجة، الشاهد لنفسه بالتفوق، قد أجابه على حجته العجيبة التي يرويها الأول بنفسه فيقول: ثم سألته ماذا لو أن أعداء جند الله ( كما تزعم ) تمكنوا من تصنيع علاج يفتك ويقتل فيروس كورونا ؛ فهل معنى ذلك أن أعداء الله تمكنوا من قتل جند الله والانتصار على جند الله؟؟

أليس ذلك مناقضا لقوله تعالى : وإن جندنا لهم الغالبون؟؟ .

أقول: ما يدرينا أن لغة الكلام لم تتعطل بينهما بعد هذه الحجة؟ وأن الخصم قال له: اتق الله يا أخي وانظر ما تقول فإنه جِدُّ خطير.

فهل تظن يا صاحبي أن أعداء الله سيتمكنون من اختراع علاج للوباء إلا بإذن الله بزوال هذه الغمة بعد تحقق ما أراد الحق سبحانه منها بمقتضى حكمته.

أليس يا أخي قد قال الله تعالى للمشركين: (قُلِ *ٱللَّهُ یُنَجِّیكُم* مِّنۡهَا وَمِن كُلِّ كَرۡبࣲ ثُمَّ أَنتُمۡ تُشۡرِكُونَ) [سورة الأنعام 64]

وقال عن المشركين: (۞ وَلَوۡ رَحِمۡنَـٰهُمۡ *وَكَشَفۡنَا مَا بِهِم مِّن ضُرࣲّ* لَّلَجُّوا۟ فِی طُغۡیَـٰنِهِمۡ یَعۡمَهُونَ)[سورة المؤمنون 75]

وقال عن قوم فرعون : *(فَلَمَّا كَشَفۡنَا عَنۡهُمُ ٱلرِّجۡزَ* إِلَىٰۤ أَجَلٍ هُم بَـٰلِغُوهُ إِذَا هُمۡ یَنكُثُونَ) [سورة الأعراف 135]

فكيف تتصور يا أخي أن الكافرين يستطيعون أن يدفعوا الضر عن أنفسهم بغير إذن الله؟ ثم بنيتَ على هذا التصور الفاسد تصورا أشد فسادا عندما زعمت مناقضته لقوله تعالى: (وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلۡغَـٰلِبُونَ)[سورة الصافات 173]

ألا تعلم يا أخي أن كشف السوء عن العباد قد قصره ربنا سبحانه على نفسه وحده دون سواه حين قال: (أَمَّن یُجِیبُ ٱلۡمُضۡطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَیَكۡشِفُ ٱلسُّوۤءَ وَیَجۡعَلُكُمۡ خُلَفَاۤءَ ٱلۡأَرۡضِۗ أَءِلَـٰهࣱ مَّعَ ٱللَّهِۚ قَلِیلࣰا مَّا تَذَكَّرُونَ)[سورة النمل 62]

فاستغفر الله يا أخي من هذا الفهم السقيم.

أقول لعل الحوار قد جرى على هذا النحو، وكانت الغلبة للطرف الآخر. ولكننا لم نسمع شهادة الطرف الآخر فيه.

وعلى أي حال فإني أزيد على هذا الرد المتوقع من الطرف الآخر فأقول:

إن احتجاج هذا المنتشي بالنصر، بقوله تعالى:

(.. وَمَا یَعۡلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَۚ) هو في نفسه جهل واجتراء على القول في القرآن بلا علم.

ولو رجع هذا المجترئ إلى أيٍّ من كتب التفسير لوجد أن المقصود بقوله تعالى: (وَمَا یَعۡلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَۚ) أي: وما يعلم عددهم وكثرتهم إلا الله تعالى.

وليس "وما يعلم "أعيانهم" كما فهم هذا الأخ الراوي للمناقشة المذكورة.

والقرينة الموجبة للتفسير الذي اعتمده المفسرون أن هذه الآية من سورة المدثر قد سبقت بقوله تعالى في وصف (سقر): (عَلَیۡهَا تِسۡعَةَ عَشَرَ ۝ )

قالوا: فحتى لا يتوهم متوهمٌ أن عدد جنود الله تعالى تسعة عشر فحسب، أتبعها سبحانه بقوله: (وَمَا جَعَلۡنَاۤ أَصۡحَـٰبَ ٱلنَّارِ إِلَّا مَلَـٰۤىِٕكَةࣰۖ وَمَا جَعَلۡنَا عِدَّتَهُمۡ إِلَّا فِتۡنَةࣰ لِّلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لِیَسۡتَیۡقِنَ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ وَیَزۡدَادَ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِیمَـٰنࣰا وَلَا یَرۡتَابَ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَلِیَقُولَ ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ وَٱلۡكَـٰفِرُونَ مَاذَاۤ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلࣰاۚ كَذَ ٰ⁠لِكَ یُضِلُّ ٱللَّهُ مَن یَشَاۤءُ وَیَهۡدِی مَن یَشَاۤءُۚ *وَمَا یَعۡلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَۚ* وَمَا هِیَ إِلَّا ذِكۡرَىٰ لِلۡبَشَرِ) [سورة المدثر 31]

أي: ما يعلم عددهم وكثرتهم إلا الله سبحانه.

بعد هذا يحق لي أن أستعير أمنية من كلام الكاتب فأقول:

كم أتمنى أن تتوقف التفسيرات الاجتهادية غير الدقيقة للآيات القرآنية لأنها تسيء كثيرا للإسلام والمسلمين. والله أعلم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين