القٌبَيسيّات .. من الصّمت إلى مساندة بشّار الأسد (10)‏

عام 2014م بدأ انحدار الخطّ البيانيّ للثّورة السّوريّة الذي بلغ ذروته لصالح الثّورة عام ‏‏2013م، ومع تحوّل الحال تغيّرت العديد من مواقف النّظام التّفصيليّة ومنها منهجيّته ‏في التّعامل مع القبُبيسيّات.‏

• اللّقاء الثّاني مع بشّار الأسد

في الشّهر الأوّل من عام 2014م استقبل بشّار الأسد مجدّدًا وفدًا من داعيات دمشق ‏من مختلف المدارس والتّوجّهات، ولكنّ الّلقاء هذه المرّة كان مختلفًا عن اللّقاء الأوّل ‏الذي حدث عام 2012م وتفاجأت الدّاعيات فيه بلقاء بشّار الأسد.‏

فالعديد من المؤشّرات تدلّ على أنَّ الآنسات كنّ على علم باللّقاء قبل بضعة أيّام من ‏حدوثه؛ إذ تواصلت بعض الآنسات القبيسيّات مع طالباتهنّ اللّواتي لهنّ إخوة أو آباء ‏قيد الاعتقال في سجون بشّار الأسد وطلبن منهنّ بيانات هؤلاء المعتقلين دون ذكر ‏سبب الطّلب وبعد حدوث اللّقاء أخبرن طالباتهنّ بأنّهنّ قدّمن الأسماء للرّئيس بيده ‏مباشرة.‏

طبعًا كلّنا يعلم بأنَّ المعتقلين في سوريا لا يخرجون من أقبية الفروع الأمنيّة بورقة توضع ‏في يد بشّار الأسد؛ ولكنّ هذه الحركة من الآنسات كانت حركة استباقيّة لأيّ ‏استنكار من طالباتهنّ اللآئي تأذّينَ من النّظام بصورة تُظهر لقاءهنّ ببشّار الأسد بأنّه ‏من أجل مصلحة الدّعوة والطّالبات وأهليهنّ.‏

ذهاب القٌبيسيّات راغباتٍ إلى هذا اللّقاء وعلمهنّ به قبل أيّام من حدوثه لا يمكن أن ‏يكون مواقف فرديّة لمن يعرف مدى الانضباط العالي والتمسّك بالاستشارة والاستئذان ‏في القضايا الشّخصيّة فكيف بهكذا قضيّة تتعلّق بالجماعة كلّها؟!‏

من الواضح أنَّ الجماعة اتّخذت قرارًا بالانحياز الهادئ للنّظام قائمٍ على مواقف غير فجّة ‏وتجنّب المبالغة في التصريحات التي يفعلها البوطي وأحمد حسّون.‏

الحاضرات في هذا اللقاء من القبيسيّات كنّ كما في سابقه الأقلّ عددًا رغم أنَّ عموم ‏الكتّاب والنشطاء وصمُوا جميع الحاضرات بأنّهنّ من القبيسيّات لكنّ الأهمّ هو أنَّ ‏الحضور هذه المرّة كان بقرارٍ من الجماعة يحمل موقفًا صريحًا بالانحياز الضّمني للنّظام ‏بخلاف دلالات حضور اللّقاء الأوّل مع بشّار الأسد

• كلمةٌ مفصليّةٌ من سلمى عيّاش

سلمى عيّاش طبيبةٌ من مدينة طرطوس السّاحليّة وهي من آنسات القبيسيّات ‏‏الكبيرات، وهي في الوقت نفسه أخت زوجة وزير الأوقاف في النّظام السّوري‏ محمّد ‏عبد السّتّار السيّد ‏

ففي الشّهر الثّاني من عام 2014م عقدت وزارة الأوقاف مؤتمرها الخامس عشر تحت ‏عنوان "فقه الأزمة" ‏

وألقت الآنسة سلمى عيّاش كلمة "الدّعوة النّسائيّة" المراد بها القُبيسيّات بين يدي وزير ‏الأوقاف والمفتي وعموم علماء سورية، وكان ممّا قالته في كلمتها:‏

‏"كانت توجيهات السيّد الرّئيس بشّار الأسد من البداية أن يتمّ نقل العمل النسائي ‏من البيوت حيثُ الظّلام والضّبابيّة إلى المساجد حيثُ النّور وحيثُ الضّبط"‏

أن تصدرَ هذه العبارة من آنسةٍ قبيسيّة كبيرة فهو إعلان مفصليّ بالنّدم على أساس ‏المنهج الذي قامت عليه الجماعة وهو الدّعوة المنزليّة.‏

وكانت هذه العبارة صدمةً كبيرةً في صفوف الطّالبات اللّواتي بدأن مرحلة المفاصلة ‏بينهنّ وبين الجماعة من حينها.‏

وعند اعتراض بعض الطّالبات كان الخطاب واضحًا من عموم الآنسات المشرفات بأنّنا ‏لن نفرّط في المكاسب التي حصّلتها الجماعة وأنّنا بهذا نحافظ على الدّعوة؛ وهي الحجّة ‏ذاتها التي برّرت بها عموم الجماعات الدّعويّة المنحازة لبشّار الأسد موقفها.‏

• سلمى عيّاش معاونُ الوزير

في آذار "مارس" من عام 2014م أصدر بشّار الأسد مرسومًا بتعيين سلمى عيّاش ‏بمنصب معاون وزير الأوقاف، وهذه المرّة الأولى في تاريخ سوريا التي تحظى فيه امرأة ‏بمنصب معاون وزير الأوقاف.‏

هذا التّعيين اللّافت يحمل في طيّاته معاني هامّة وأهداف أبعدَ من مجرّد إظهار النّظام ‏بوصفه مناصرًا للمرأة مكرّمًا لها.‏

إنّ تعيين الآنسة القُبيسيّة سلمى عيّاش معاونًا لزوج أختها وزير الأوقاف يعبّر عن تغيّر ‏سياسة النّظام تجاه الجماعة بعد أن كانت سياسته هي شيطنتها، وأنَّ قراره الجديد هو ‏احتواء القٌبيسيّات ووضعهنّ تحت جناحه حتى تكون الجماعة صوتًا إضافيًّا من أصوات ‏الدّعوة الإسلاميّة المؤيّدة له والمنافحة عنه.‏

إنّ تعيين سلمى عيّاش معاونًا لوزير الأوقاف يمكن اعتباره النّقطة المفصليّة في تحوّل ‏مواقف الجماعة من الصّمت إلى الموقف المؤيّد للنّظام بل إلى الدّخول في بنية النّظام، ‏وهذا هو أجلى موقف جعل الكثير من الطّالبات يقعن في حيصَ بيص جرّاء هذا ‏التّحوّل من أقصى الصّمت إلى أقصى الالتحام ببنية النّظام في أكثر مؤسساته ‏حساسيّة وهي المؤسّسة الدينيّة الرّسميّة.‏

• خلود السّروجي المُتمايلة في الأمويّ

عملَ النّظام على حشد الرّاي العام لمساندته من خلال تصدير صورة إعلاميّة تفيد بأنَّ ‏القبيسيّات منحازاتٍ بشكلٍ مطلق للنّظام.‏

وكانت من أكثر الصّور التي استفزّت جمهور الثّورة صورة داعية تقف في قلب الجامع ‏الأموي تلبس الحجاب الأزرق الذي تختصّ به القبيسيّات وتتمايلُ على أنغام أنشودة ‏وهي تنشد وتدعو لبشّار الأسد.‏

هذا المشهد تسبّب بهجوم كبير من جمهور الثّورة على القُبيسيّات بناء على الحكم على ‏صورة هذه الدّاعية وارتدائها الحجاب الذي يمثّل دلالةً على الهويّة القبيسيّة.‏

هذه الدّاعية اسمها خلود خادم السّروجي وهي تشغل منصب المستشارة الإعلاميّة ‏لوزارة الأوقاف في النّظام السّوري ومسؤولة الدّعوة والإرشاد في الوزارة.‏

وهي زوجة أحد ضبّاط الأمن وبناء على هذا نالت هذه المناصب، وخلود السروجي ‏هذه لم تكن في يومٍ من الأيّام من القبيسيّات ولم تجلس معهنّ في حلقةٍ أبدًا.‏

وفوق هذا فإنّها ترتدي عادةً الحجاب الأسود الذي لا ترتديه القبيسيّات وترتديه ‏بطريقة مخالفة لطريقتهنّ، ومع ذلك حرصت على الظّهور الإعلاميّ بمظهر لا يمكن أن ‏يُفهم منه إلّا أنّها من القبيسيّات اللّواتي لهنّ مكانة ورتبة في الجماعة من خلال لون ‏الحجاب وطريقة ربطه وشكل المانطو.‏

وهذا فيه دلالة واضحة على أنَّ الظّهور بهذا الشّكل والطّريقة والهيئة كان مُرادًا لذاته ‏وأنّه ليس سلوكًا ذاتيًّا من خلود السّروجي بل بتوجيه من دوائر القرار الأمني والرسمي في ‏الأوقاف ‏

هو جزء من ترسيخ النّظام فكرة أنّ القبيسيّات جزء منه من أجل تعزيز موقفه.‏

• هو قرارُ من؟

اعتاد بشّار الأسد أن يعقد لقاءً مع الدّاعيّات بشكلٍ دوريّ، وهو ما لم يكن قبل ‏الثّورة، والحاضر الأبرز هو الآنسة القبيسيّة سلمى عيّاش التي تأخذ موضعها إلى جانب ‏الأسد بينما يتموضع زوج أختها وزير الأوقاف في الجانب الآخر منه.‏

بهذا يمكن القول بأنّ القبيسيّات عقب عام 2014م على المستوى الرّسميّ في الجماعة ‏اتّخذن قرارًا واضحًا بالانحياز إلى بشّار الأسد بعد أن فقدنَ القدرة على الصّمت.‏

وهنا لا بدّ من التّأكيد على أنَّ هذا القرار ليسَ بالضّرورة أن يكون بموافقة الآنسة ‏الكبرى منيرة قبيسي فهي تعاني من مرض شديد وقد نأت بنفسها تمامًا عما يجري في ‏سوريا من بدايته إلى اليوم وهي حبيسة المرض في منزلها في حيّ الرّوضة الدّمشقي وفي ‏الغالب أنّ هذا القرار هو من مجلس الآنسات الكبيرات بالترتيب مع وزير الأوقاف.‏

وبعد هذه المواقف السّياسيّة للقُبيسيّات من النّظام السّوري؛ ما هي مواقف الجماعات ‏والتيّارات الدّينيّة من جماعة القُبيسيّات؟

هذا ما نجيب عنه ـ بإذن الله تعالى ـ في المقال القادم

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين