نداء رباني صريح في زمن الكورونا القاتلة

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد

- من أروع ما استوقفني في سورة الجمعة ، والتي أدى فيها انتشار وباء الكورونا إلى إغلاق المساجد وإلغاء صلاة الجمعة ، قول الله تعالى : {قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون}

وكأنه نداء إلى كل سكان الكوكب ، الذين يفرون من الموت بالوباء المنتشر في كل القارات ، للاستعداد للقاء الله ثم لحسابه باعتباره حتميا لا ريب فيه، وهو ما نراه يوميا رأيَ العين .

- وعلى ضفاف ليلة الإسراء والمعراج النبوي الشريف ، فإن على المسلمين المنكوبين في العالم كله، أن يلتفتوا إلى وحي السماء في كل شؤونهم وقراراتهم ، بعد أن جذب كثيرا منهم اللهو والتجارة وتركوا خير الرازقين ، وأهملوا واجب الحفاظ على شعائر الله وشرائعه وحماية المقدسات وتحريرها من أعدائه.

- لقد أعلن الحاكم الجبار في الأرض عن يوم أسماه اليوم العالمي للدعاء جراء انتشار وباء الكورونا ، وقد فاته أن يتذكر قوله تعالى {وما دعاء الكافرين إلا في ضلال} ، وأن عليه إذا رغب في إجابة الدعاء وكشف البلاء أن يخضع نفسه إلى الله رب العالمين ويتوب إليه ، وأن يكف جبروته عن الناس ، ويعيد حقوق الشعوب إلى أهلها ، وأن يبطل صفقة القرن الأثيمة.

- إن كورونا نذير من نذر الله للعالم أجمع ، ذاك العالم الذي هجر الله في كل شيء ، ثم شهد صفقة الزور وبيع بيت المقدس والأرض المقدسة لقتلة الأنبياء ، وصمت دهرا وتورط في جرائم الحصار والإبادة الجماعية في فلسطين وما حولها من حواضر العالم الإسلامي ، مفسدا في الأرض وسافكا الدماء البريئة أنهارا.

- إن مشهد الإنسانية المحتجزة في المنازل والمستشفيات والمدن التي نراها في المشارق والمغارب خاوية على عروشها بمطاراتها ومصانعها ومدارسها وجامعاتها وأسواقها وبيوت مالها ومصارفها ، وقوافل الموتى من الوباء ، كل ذلك يذكرنا بقول الله تعالى {وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم} وأن الله هو {القاهر فوق عباده} وبأن مثل الدنيا كسوق قام ثم انفض ربح فيه من ربح وخسر فيه من خسر ، "وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور.

- لقد أقسم الله قسمًا عظيمًا في كتابه نتوقف عنده اليوم بقوله {فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون} ، ونحن في زمن إعلان العجز الدولي عن العلاج مما نبصره بأدوات طبية ، فكيف بما لا نبصره من جنود الله!!!

- إن انتشار الكورونا واكتساحها هو نعي دولي للإلحاد الذي ظن أن بإمكانه أن يستبيح عقول الشباب من جديد بتعبيدهم للمادة وتأليهها ، وهو نعي للمادية الجدلية التي ترفض الاعتراف بقانون السببية وبأن للكون إلها خالقًا مدبرا وحاكما.

- إن الإنسانية اليوم تعاني من كورونا فكرية ، وأخرى تشريعية ، وأخرى سياسية ، وأخرى قضائية واجتماعية واقتصادية ، أنهكت إنسانية الإنسان ، واستهلكت قيمته ، ودمرت فطرته ، وحاضره ومستقبله ، وحرمت نفسها من أنوار الله الذي هو العدل والحق المبين ، وإن شعوب الأرض مدعوة إلى اعتبار هذه الكارثة العالمية منصة تحوّل للتعرف إلى الله الخلاق العليم الخبير الباقي الحي القيوم وقراءة منهاجه القويم في القرآن العظيم المعجز والعمل به ، حرصًا على النجاة وسعادة الدارين قبل فوات الأوان .

- إننا مدعوون إلى أن تكون بيوتنا مليئة بالذكر والاستغفار والدعاء واتخاذ قرار جريء بإجراء تغيير جذري في أسلوب ما تبقى من حياتنا قبل أن يدهمنا الموت في أية لحظة، وذلك بالمسارعة إلى الخيرات والمبرات ونصرة الضعفاء والمساكين في بلدنا وفي كل أنحاء المعمورة في ساعة العسرة هذه ، وتعظيم حرمات الله ، والعكوف على وحيه العظيم ليلًا ونهارا .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين