دع الاعتراض فما الأمر لك

لماذا الاعتراض على أقدار الله ومن أبجديات الإسلام التسليم لأمر الله وحكمه، في كل أمر وقضاء، وما دمنا آمنا بالله حكيما عليما لا يتم إيماننا إلا بالتسليم لأقدار الرب، ظهرت لنا الحكمة أم لم تظهر.

والمؤمن وهو يتلفت حواليه يرى قوى الشر والفساد والقتل تحيط به من كل جانب تريد أن تفتنه عن دينه وإيمانه، والشيطان لا يفتأ يوسوس للناس بأن هذا الدمار والقتل والتشريد وخاصة للضعفاء من المرضى والشيوخ والنساء والأطفال ظلم صارخ من القدر ؛ غير أن الأمر ليس كذلك، فمن وراء ذلك حكم كثيرة أشبعها العلماء بحثا، ولست في هذا المقال بصدد إيرادها.

يقول ابن القيم رحمه الله: إن مبنى العبودية والإيمان بالله وكتبه ورسله على التسليم وعدم الأسئلة عن تفاصيل الحكمة في الأوامر والنواهي والشرائع، ولهذا لم يحك الله سبحانه عن أمة نبي صدقت نبيها وآمنت بما جاء به أنها سألته عن تفاصيل الحكمة فيما أمرها به ونهاها عنه وبلغها عن ربها، ولو فعلت ذلك لما كانت مؤمنة بنبيها؛ بل انقادت وسلمت وأذعنت، وما عرفت من الحكمة عرفته، وما خفي عنها لم تتوقف في انقيادها وإيمانها واستسلامها على معرفته، ولا جعلت طلبه من شأنها.

فوحقه لأسلمن لأمره ... في كل نازلة وضيق خناق

موسى وإبراهيمُ لما سلما ... سلما من الإغراق والإحراق

ذكر ابن كثير في البداية والنهاية عن عفيف الدين يوسف بن البقال: كنت بمصر فبلغني ما وقع من القتل الذريع ببغداد في فتنة التتار، فأنكرت في قلبي وقلت: يا رب؛ كيف هذا وفيهم الأطفال ومن لا ذنب له! فرأيت في المنام رجلًا وفي يده كتاب فأخذته فإذا فيه:

دع الاعتراض فما الأمر لك ... ولا الحكم في حركات الفلك

ولا تسأل الله عن فعله ... فمن خاض لجة بحر هلك

والله عز وجل يقول: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (الأنبياء: 23)

ونحن عندما نستعرض القرآن الكريم نجد من ذلك الكثير، وأجلى وأوضح مثال قصة أصحاب الأخدود فقد حرِّقوا عن آخرهم، والكفرة الفجرة يتلذذون بمنظر الأجساد المعذبة وهي تحترق في النار الموقدة في الأخدود العظيم.

سَلِّمْ لربك حُكْمه فَلحِكْمةٍ ... يَقْضِيِه حتّى تسْتريح وتَغْنَما

واذكُرْ خليلَ اللهِ في ذَبْح ابنهِ ... إذْ قالَ خالقُه: فَلمّا أسْلَما

غير أن ذلك لا يعني ألا نستجلي العبر مما وقع ويقع من أقدار، وما هي أسبابها وملابساتها، وألا نستسلم للواقع المرير؛ حتى لا نقع في التواكل، فنحن مأمورون بالأخذ بكافة الأسباب المنجية، وتلافي الأمور المهلكة. ففرق كبير بين الاعتراض وبين تلمس سبل النجاة.

يقول ابن القيم: العبد دائماً متقلب بين أحكام الأوامر وأحكام النوازل، وعلى قدر قيامه بالأوامر يحصل له من اللطف عند النوازل.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين